للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما مالك، والشافعيّ، وأحمد، ومن تبعهم، فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدوّ اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصّة الحديبية، حين صُدّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن البيت، فسمّى اللَّه صدّ العدوّ إحصارًا.

وحجة الآخرين التمسك بعوم قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦]. انتهى من "الفتح" بتصرّف (١).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: مورد النصّ في قضية الحديبية إنما هو في الإحصار بالعدوّ، فلو أحصره مرض، منعه من المضيّ في نسك، لم يتحلّل عند الجمهور، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأحمد، وقال أبو حنيفة: الإحصار بالمرض كالإحصار بالعدوّ، قالوا: وقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] إنما ورد في إحصار المرض؛ لأن أهل اللغة قالوا: يقال: أحصره المرض، وحصره العدوّ، فاستعمال الرباعيّ في الآية يدلّ على إرادة المرض، وما نقلوه عن أهل اللغة حكاه في "المشارق" عن أبي عبيد، وابن قتيبة، وقال القاضي إسماعيل المالكيّ: إنه الظاهر، وحكاه في "الصحاح" عن ابن السكّيت، والأخفش، قال: وقال أبو عمرو الشيبانيّ: حصرني الشيء، وأحصرني: حبسني انتهى. فجعلهما لغتين بمعنى واحد. وقال في "النهاية": يقال: أحصره المرض، أو السلطان: إذا منعه عن مقصده، فهو محصر، وحصره: إذا حبسه، فهو محصور. وحكى ابن عبد البرّ التفصيل المتقدّم عن الخليل، وأكثر أهل اللغة، ثم حكى عن جماعة أنه يقال: حصر، وأحصر بمعنى واحد في المرض، والعدؤ جميعًا، قال: واحتجّ من قال هذا من الفقهاء بقول اللَّه تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}، وإنما أنزلت في الحديبية انتهى. وقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لم أسمع ممن حُفظ عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفًا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فحال المشركون بينه وبين البيت. وفي البخاريّ عن عطاء: الإحصار من كلّ شيء بحسبه. وممن ذهب إلى التعميم ابن حزم الظاهريّ انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي قول من عمّم، كما هو مذهب الحنفية، والبخاريّ، والمصنّف، وابن حزم، قال -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "المُحَلَّى":

وأما الإحصار، فإن كلّ من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه، أو عمرته، قارنا كان، أو متمتعًا، من عدوّ، أو مرض، أو كسر، أو خطأ طريق، أو خطأ في رؤية


(١) - "فتح" ٤/ ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٢) - "طرح التثريب" ٥/ ١٦٠ - ١٦١.