للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحنفيّة: لا يجوز ذبحه إلا في الحرم، فيرسله مع إنسان، ويواعده على يوم بعينه، فإذا جاء ذلك اليوم تحلّل، ثم قال أبو حنيفة: يجوز ذبحه قبل يوم النحر، وقال صاحباه يختصّ ذبحه في الإحصار عن الحجّ بيوم النحر. قاله وليّ الدين (١).

وقال في "الفتح": ما حاصله: قال الجمهور: يذبح المحصر الهدي حيث يحلّ سواء كان في الحلّ، أو في الحرم. وقال أبو حنيفة: لا يذبحه إلا في الحرم. وفصّل آخرون كما قاله ابن عباس: إذا كان مع المحصر هدي نحوه إن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن استطاع أن يبعث به لم يحلّ حتى يبلغ الهدي محله. وهذا هو المعتمد.

وسبب اختلافهم في ذلك، هل نحو النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الهدي بالحديبية في الحلّ، أو في الحرم. وكان عطاء يقول: لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق. وقال غيره من أهل المغازي: إنما نحر في الحلّ. وروى يعقوب بن سفيان، من طريق مجمع بن يعقوب، عن أبيه، قال: "لما حُبس رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه نحروا بالحديبية، وحلقوا، وبعث اللَّه ريحًا، فحملت شعورهم، فألقتها في الحرم". قال ابن عبد البرّ في "الاستذكار": فهذا يدلّ على أنهم حلقوا في الحلّ.

قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه، فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدي، مع من نحره في الحرم. وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلميّ: "قلت: يا رسول اللَّه أبعث معي بالهدي، حتى أنحره في الحرم، ففعل". أخرجه النسائيّ من طريق إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر، عن ناجية. وأخرجه الطحاويّ من وجه آخر عن إسرائيل، لكن قال: "عن ناجية، عن أبيه". لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصّة أن أكثرهم نحر في مكانه، وكانوا في الحلّ، وذلك دالّ على الجواز. واللَّه أعلم. انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح قول من قال بجواز التحلل في مكان الحصر، سواء كان في الحلّ، أم في الحرم إذا لم يستطع أن يبلغ به محله، فإن استطاع أن يبعث به حتى ينحر في الحرم وجب عليه أن يبعثه، كما سبق عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -؛ الآية: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): اختلفوا هل يجب القضاء على المحصر إذا تحلّل، أم لا؟: ذهب الحنفية إلى وجوبه، بل زادوا، فقالوا: إن على المحصر عن الحجّ حجة


(١) - "طرح التثريب" ٥/ ١٦٠.
(٢) - "فتح" ٤/ ٤٧٧ - ٤٧٨.