للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ببيداء من الأرض … ".

وقال ابن التين: يحتمل أن يكون هذا الجيش الذي يخسف بهم هم الذين يهدمون الكعبة، فيُنتقَم منهم، فيُخسَف بهم.

وتُعقّب بأن في بعض طرقه عند مسلم: "أن ناسًا من أمتي"، والذين يهدمونها من كفّار الحبشة. وأيضًا فمقتضى كلامه أنهم يخسف بهم بعد أن يهدموها، ويرجعوا، وظاهر الخبر أنه يُخسف بهم قبل أن يصلوا إليها. قاله في "الفتح" (١).

(فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ) ولمسلم: وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة (خُسِفَ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ) ببناء الفعل للمفعول، يقال: خَسَفَ المكانُ خَسْفًا، من باب ضرب: غار في الأرض، وخسفه اللَّه، يتعدّى، ولا يتعدّى. قاله الفيّوميّ. وزاد في "القاموس": وخسف اللَّه بفلان الأرض: غيّبه فيها انتهى. وهذا الأخير هو المناسب هنا (وَلَمْ يَنْجُ أَوْسَطُهُمْ) المراد أنهم هلكوا كلهم (قُلْتُ) القائلة هي حفصة - رضي اللَّه تعالى عنها - (أرَأَيْتَ) أي أخبرني (إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ؟) أي أيهلكون معهم؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (تكُونُ لَهُمْ قُبُورًا) يعني أنهم يهلكون مع الكفار، وتكون لهم الأرض قبورًا، يجازَون فيها على نياتهم.

والحاصل أن الموت والخسف يشمل جميعهم، كافرهم، ومؤمنهم، لكن حالهم بعد ذلك مختلفة، كحال سائر أصحاب القبور، فالمؤمن قبره روضة من رياض الجنة، والكافر، والمنافق قبره حفرة من حُفَر النار. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: هذا الحديث روي أيضًا من حديث أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها -، أخرجه مسلم، من طريق عبد العزيز بن رُفيع، عن عبيد اللَّه بن القبطية، قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة، وعبد اللَّه بن صفوان، وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين، فسألاها عن الجيش الذي يُخسَف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بَعثٌ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، خُسِف بهم فقلت: يا رسول اللَّه، فكيف بمن كان كارها؟ قال: "يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته".

وقال أبو جعفر هي بيداء المدينة.

ثم أخرجه من طريق زهير، عن عبد العزيز بن رفيع، وفي حديثه قال: فلقيت أبا جعفر، فقلت: إنها إنما قالت: ببيداء من الأرض، فقال أبو جعفر: كلا واللَّه، إنها لبيداء المدينة.


(١) -"فتح" ٥/ ٧١ "كتاب البيوع" - "باب ما ذُكر في الأسواق".