للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أذرع". وله من طريق سعيد بن مِيناء، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن عائشة في هذا الحديث: "وزدت فيها من الحجر ستة أذرع". وللبخاريّ من طريق جرير بن حازم، عن يزيد بن رُومان، قال: "وشهدت ابن الزبير حين هدمه، وبناه، وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم، كأسنمة الإبل، قال جرير: فقلت له: أين موضعه؟ قال: أريكه الآن، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان، فقال: ههنا، قال جرير: فحزرت من الحجر ستة أذرع، أو نحوها".

ولسفيان بن عيينة في "جامعه"، عن داود بن شابور، عن مجاهد: "أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يدي الحجر". وله عن عبد اللَّه بن أبي يزيد، عن ابن الزبير: "ستة أذرع وشبر". وهكذا ذكر الشافعيّ عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش، كما أخرجه البيهقيّ في "المعرفة" عنه.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة، ودون السبعة. وأما رواية عطاء عند مسلم -يعني رواية النسائيّ هنا- عن عائشة مرفوعًا: "لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع"، فهي شاذّة، والرواية السابقة أرجح؛ لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفّاظ.

ثم ظهر لي لرواية عطاء وجة، وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والْحِجْر، فتجتمع مع الروايات الأخرى، فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء، ولهذا عند الفاكهيّ من حديث أبي عمرو بن عديّ بن الحمراء: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لعائشة في هذه القصّة: "ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع"، فيحمل هذا على إلغاء الكسر، ورواية عطاء على جبره، ويجمع بين الروايات كلها بذلك. قال: ولم أر من سبقني إلى ذلك (١).

وقال عند شرح قول جرير بن حازم: "فحزرت من الحجر ستة أذرع، أو نحوها": ما نصّه: قد ورد هذا مرفوعًا إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -كما تقدم في الطريقة الثانية، وأنها أرجح الروايات، وأن الجمع بين المختلف ممكن كما تقدّم، وهو أولى من دعوى الاضطراب، والطعن في الروايات المقيدة: لأجل الاضطراب، كما جنح إليه ابن الصلاح، وتبعه النوويّ؛ لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذّر الترجيح، أو الجمع، ولم يتعذّر ذلك هنا، فيتعيّن حمل المطلق على المقيّد، كما هي قاعدة مذهبهما. ويؤيّده أن الأحاديث المطلقة والمقيّدة متواردة على سبب واحد، وهو أن قريشًا قصروا على بناء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وأن الحجّاج أعاده على بناء قريش، ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت.


(١) - "فتح" ٤/ ٢٣٦.