للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المشهورة. وقال الطحاويّ أيضًا: لا حجة لمن قال: إن السعي مستحبّ بقوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٥٨]؛ لأنه راجع إلى أصل الحجّ والعمرة، لا إلى خصوص السعي؛ لإجماع المسلمين على أن التطوّع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع. واللَّه أعلم. قاله في "الفتح" (١).

(إِنَّمَا كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ) سيأتي في الرواية التالية أنهم الأنصار قبل أن يسلموا، كانوا يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند الْمُشَلْل (لَا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا) لأنهم يتحرجون عن الطواف لغير آلهتم (فَلَمَّا كَانَ) أي جاء، فـ"كان" تامّة، وقوله (الْإسْلَامُ) فاعلها (وَنَزَلَ الْقُرْآنُ) أي جوابًا عن سؤالهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، حيث قالوا: يا رسول اللَّه، إنا كنا نتحرّج أن نطوف بين الصفا والمروة؟، فأنزل اللَّه تعالى الآية المذكورة وقوله ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} بدل من "القرآن؛ لقصد لفظه. وقوله {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي من معالم دينه، ومواضع عباداته. قال الأزهريّ: الشعائر: المعالم التي ندب اللَّه إليها، وأمر بالقيام عليها. وقال في "النهاية": شعائر الحج آثاره، وعلاماته، جمع شعيرة. وقيل: هو كلّ ما كان من أعماله، كالوقوف، والطواف، والسعي، والرمي، والذبح، وغير ذلك. وقال في "الصحاح": الشعائر أعمال الحجّ، وكل ما جعل علمًا لطاعة اللَّه. قال الأصمعيّ: الواحدة شعيرة، قال: وقال بعضهم: شعارة، والمشاعر مواضع النسك (٢).

وقال الحافظ، ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-: قد بين اللَّه تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر اللَّه، أي مما شرع اللَّه تعالى لإبراهيم في مناسك الحج، وقد ثبت في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر، وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لما نفد ماؤهما وزادهما، حين تركهما إبراهيم - عليه السلام - هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفد ما عندهما، قامت تطلب الغوث من اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فدم تزل تتردّد في هذه البقعة المشرّفة بين الصفا والمروة متذلّلة خائفة وجلة مضطربة فقيرة إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- حتى كشف اللَّه كربتها، وآنس غربتها، وفرّج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها "طعام طعم، وشفاء سقم"، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره، وذُلّه، وحاجته إلى اللَّه في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يلتجىء إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبّته عليه إلى مماته، وأن


(١) - "فتح" ٤/ ٣٠٦.
(٢) - "طرح التثريب" ٥/ ١٠٤.