للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حضرتهم (ومنها): كراهة طرد الناس، وإيذائهم عند رمي الجمرات، بل ينبغي أن يلزم كلّ أحد حسن التعامل، ويسلك مسلك الأدب والاحترام. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٠٦٣ - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا (١) ابْنُ جُرَيْجٍ, قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ, أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يَرْمِى الْجَمْرَةَ, وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ, وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ, خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ, فَإِنِّي لَا أَدْرِي, لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِى هَذَا»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة.

وقوله: "خذوا عني مناسككم"، وفي رواية مسلم: "لتأخذوا عني مناسككم"، بلام الأمر. قال النوويّ: تقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي، من الأقوال، والأفعالط، والهيئات هي أمور الحجّ وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عنّي، واقبلوها، واحفظوها، واعملوا بها، وعلّموها الناس، وهذا الحديث أصلٌ عظيم في مناسك الحجّ، وهو نحو قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الصلاة: "صلّوا كما رأيتموني أصلّي".

وقوله: "لا أدري" مفعوله محذوف، أي لا أعلم ماذا يكون.

وقوله: "لعلي لا أحج بعد عامي هذا"، ولمسلم: "بعد حجتي هذه". فيه إشارة إلى توديعهم، وإعلامهم بقرب وفاته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحثّهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة، من ملازمته، وتعلّم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع انتهى كلام النوويّ.

وقال السنديّ: وهذا لا يدلّ على وجوب المناسك، وإنما يدلّ على وجوب الأخذ والتعلّم، فمن استدلّ به على وجوب شيء من المخاسك، فدليله في محلّ نظر، فليتأمل انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا، وحاصله أن مجرد فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - لشيء من مناسك الحجّ لا يدلّ على وجوبه، بل لا بدّ من دليل آخر يُضمّ إلى الفعل، مثل الأمر. واللَّه تعالى أعلم.

والحديث أخرجه مسلم، وتقدّم تخريجه في - ٥١/ ٢٧٤٠ - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - وفي نسخة: "أخبرنا".