للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طواف القدوم، ثم طاف طواف الإفاضة، فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف، أي طواف الركن، ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد، وعطاء، فقالا: لو لم يطف للقدوم، ولا لغيره، وقدّم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه. أخرجه عبد الرزاق، عن ابن جريج عنه.

وقال ابن دقيق العيد: ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دلّ على وجوب اتباع الرسول في الحجّ بقوله: "خذوا عني مناسككم". وهذه الأحاديث المرخّصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل: "لم أشعر"، فيختصّ الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحجّ. وأيضًا فالحكم إذا رُتّب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يجز اطراحه، ولا شكّ أن عدم الشعور وصف مناسبٌ لعدم المؤاخذة، وقد عُلّق به الحكم، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به، إذ لا يساويه، وأما التمسّك بقول الراوي: "فما سئل عن شيء قُدّم الخ" فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مُراعى. فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلّق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدلّ على أحد الخاصّين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد. انتهى كلام ابن دقيق العيد بتصرّف (١)

قال الجامع عفا اللَّه تعالى: عندي أنّ قولَ الجمهور بعدم وجوب الترتيب بين الأعمال الأربعة هو الحقّ؛ لإطلاق الأحاديث، وأما قول السائل: "لم أشعُر" فلا يقيّد إطلاق النصّ، ولا سيما بعض الأحاديث ليس فيه هذا القيد، كحديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - المذكور في الباب، وحديث أسامة بن شريك عند أبي داود بإسناد صحيح، ولفظه: "قال: خرجت مع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - حاجا، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول اللَّه، سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئا، أو أخرت شيئا، فكان يقول: "لا حرج لا حرج، إلا على رجل، اقترض عرضَ رجل مسلم، وهو ظالم، فذلك الذي حَرِجَ، وهلك".

فإنه ظاهر في أن أسامة - رضي اللَّه عنه - سمع الناس يسألون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يقيّده بمن نسي، أو جهل، كما هو نصّ حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -.

والحاصل أن الأرجح جواز تقديم بعض الأعمال على بعضها يوم النحر، مطلقًا، سواء كان نسيانًا، أم عمدًا؛ لظاهر الأحاديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - راجع "إحكام الإحكام" ٣/ ٥٧٩ - ٥٨٤.