للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الكرمانيّ: معنى الحديث أن المجاهد إما يُستَشهَد أو لا، والثاني لا ينفكّ من أجرٍ، أو غنيمة مع إمكان اجتماعهما، فهي قضيّةٌ مانعةُ الخلوّ، لا الجمع، وقد قيل في الجواب عن هذا الإشكال: إن "أو" بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبد البرّ، والقرطبيّ، ورجّحها التوربشتيّ، والتقدير: "بأجر وغنيمة". وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، رواه كذلك عن يحيى بن يحيى، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد. وقد رواه جعفر الفريابيّ، وجماعة عن يحيى بن يحيى، فقالوا: "أجر، أو غنيمة" بصيغة "أو". وقد رواه مالك في "الموطإ" بلفظ: "أو غنيمة"، ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بُكير عنه، فوقع فيه بلفظ: "وغنيمة"، ورواية يحيى بن بكير، عن مالك فيها مقال.

ووقع عند النسائيّ من طريق الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة بالواو أيضًا، وكذا من طريق عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا ذكر في "الفتح" أن رواية النسائيّ-١٤/ ٣١٢٤ - من طريق الزهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، و-١٤/ ٣١٢٣ - من طريق عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة بالواو، لكن نسخ "المجتبى" التي بين يديّ كلها، ونسخة "الكبرى" من الطريقين بـ"أو"، لا بالواو، ولعله وجد ما ذكره في بعض النسخ، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وكذلك أخرجه أبو داود باسناد صحيح، عن أبي أمامة بلفظ: "بما نال من أجر وغنيمة"، فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأنّ "أو" في هذا الحديث بمعنى الواو كما هو مذهب نحاة الكوفيين، لكن فيه إشكال صعب لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكلّ من رجع، وقد لا يتّفق ذلك، فإن كثيرًا من الغزاة يرجع بغير غنيمة، فما فرّ منه الذي ادعى أن "أو" بمعنى الواو وقع في نظيره؛ لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر، كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كلّ غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معًا.

وقد روى مسلم من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص مرفوعًا: "ما من غازية تغزو في سبيل اللَّه، فَيُصيبون الغنيمة إلا تعجّلُوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، فإن لم يُصيبوا غنيمة تمّ لهم أجرهم". وهذا يؤيّد التأويل الأول، وأن الذي يغنم يرجع بأجر، لكنّه أنقص من أجر من لم يغنم، فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو، فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا، وتمتّعه به بأجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقّة، كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم، وهذا موافق لقول خبّاب