للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟) أي أيّ شيء عملت بتلك النعم؟ (قَالَ) ذلك الرجل (قَاتَلْتُ فِيكَ) أي في طلب مرضاتك، ورجاء مثوبتك (حَتَّى استُشهِدْتُ) بالبناء للمفعول، أي حتى قتلتُ شهيدًا صورةً في اعتقاد الناس، وإلا فليس شهيداً حقيقة (قَالَ) اللَّه تعالى الذي يعلم السرّ وأخفى لَمّا علم سوء نيته، وخُبث طويّته (كَذَبْتَ) بتخفيف الذال المعجمة، أي كذبت في دعواك أنك استُشهدت فيّ، وزاد في رواية الترمذيّ الآتي في المواضع الثلاثة: "وتقوله الملائكة: كذبتَ" (وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ، لِيُقَالَ) أي ليتحدّث الناس، ويقولوا (فُلَانٌ جَرِيءٌ) بالهمز، فعيلٌ بمعنى فاعل، من جرُؤَ جراءة، كشَجُعَ شَجَاعَةً وزنًا ومعنى، أي قالت ليقول الناس: إنك شُجاع (فَقَدْ قِيلَ) أي قال الناس ذلك، واستوفيت ما طلبتَ، فلا أجر لك عندي. وهذا مبنيّ على أن العادة حصول هذا القول، وإلا فحَبَط العمل لا يتوقّف على هذا القول، بل يكفي فيه أن ينوي الرياء. واللَّه تعالى أعلم (ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) ببناء الأفعال الثلاثة للمفعول، أي ثم بعد أن قال اللَّه تعالى له: إن ما كنت تطلبه من الناس قد حصل لك، أمر ملائكته أن يدخلوه النار، جزاء سوء فعله، فسحبوه، أي جرّوه إلى أن قذفوه في النار.

(وَرَجُلٌ) أي الثاني رجلٌ (تَعَلَّمَ الْعِلْمَ) لنفسه (وَعَلَّمَهُ) للناس (وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فأُتِيَ بِهِ) بالبناء للمفعول (فَعَرَّفَهُ) بتشديد الراء (نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا) بتخفيف الراء (قَالَ) اللَّه تعالى له (فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟، قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ) بتخفيف الذال (وَلَكِنَّكَ تَعَلَمْتَ الْعِلْمَ، لِيُقَالَ: عَالِمٌ) خبر لمحذوف، أي هو، أو أنت، وكذا قوله الآتي: "قارىء" (وَقَرَأْتَ القُرْآنَ، لِيُقَالَ: قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) ببناء الأفعال الثلاثة للمفعول، كما تقدّم (وَرَجُلٌ) أي والثالث رجل (وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بتشديد السين المهملة، من التوسيع، وقوله (وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ) بيان لمعنى التوسيع (فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيل، تُحِبُّ- قَالَ: أبُو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى- (وَلَمْ أَفْهَمْ "تُحِبُّ"، كَمَا أَرَدْتُ-) يعني أن لفظ "تحُبْ" ما فهمتها من شيخي محمد بن عبد الأعلى -رحمه اللَّه تعالى- حين أخبرنا به، كما ينبغي، وهذا من ورع المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، ودقّة نقله لما سمعه، فقد يبيّن ما لم يسمعه واضحًا من لفظ شيخه أنه لم يفهمه، وإن لم يترتّب على ذلك شيء من المحظور، وقد ذكرها مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" عن شيخه يحيى بن حبيب بن عربيّ، عن خالد بن الحارث، بدون شكّ (أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا) بالبناء للمفعول (إِلاَّ أَتفَقْتُ فِيهَا لَكَ) أي لابتغاء مرضاتك، وطلب مثوبتك (قَالَ) اللَّه تعالى (كَذَبْتَ) بالتخفيف (وَلَكِنْ لِيُقَالَ: إِنَّهُ جَوَادٌ) أي لكن أنفقت