للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على الأجر المذكور أن يكون المقاتل مسلمًا، وهو الشرط الأساسيّ في حصول الثواب على أيّ عمل صالح (فَوَاقَ نَاقَةٍ) -بضمّ الفاء، وفتحها-: قدر ما بين الْحَلَبتين من الراحة؛ لأنها تُحلب، ثم تترك سُويعة تُرضِع الفصيلَ لتُدِرَّ، ثمّ تُحلَبَ. وقيل: يحتمل ما بين الغداة إلى المساء، أو ما بين أن تُحلَبَ في ظرف، فيمتلىء، ثم تُحلب في ظرف آخر. أو ما بين جرّ الضرع إلى جرّه مرّةً أُخرى، وهو أليق بالترغيب في الجهاد (١). قال أبو البقاء: في نصب "فواق" وجهان: أحدهما أن يكون ظرفًا، تقديره وقتَ فواق، أي وقتًا مقدّرًا بذلك. الثاني: أن يكون جاريًا مجرى المصدر، أي قتالاً مقدّرًا بفواق انتهى (٢).

(وَجَبَتْ) أي ثبتت (لَهُ الْجَنَّةُ) أي يدخلها أوّلاً (وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ) أي القتل في الجهاد في سبيل اللَّه تعالى (مِن عِنْدِ نَفْسِهِ) أي مخلصًا في سؤاله من قلبه، وقوله (صَادِقًا) بمنزلة التأكيد لما قبله (ثُمّ مَاتَ) أي بأيّ سبب كان، ولو على فراشه (أَوْ قُتِلَ) أي في غير المعركة (فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَمَنْ جُرِحَ) بالبناء للمفعول (جَرْحًا) بفتح الجيم مصدر جرح، من باب نَفَعَ، وبضمها اسم منه (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعني أن العدوّ جرحه (أَوْ نُكِبَ) بالبناء للمفعول أيضًا: أي أصيب بحادثة، كأن تصاب رجله بالحجارة، فتَدمى (نَكْبَةً) -بفتح النون-: المصيبة، جمعها نَكَبات، مثلُ سَجْدة وسَجَدَات. وقال ابن الأثير: النَّكْبَة هي ما يصيب الإنسان من الحوادث. قال: ومنه الحديث "أنه نكبت إصبعه" أي نالتها الحجارة (٣).

قال القاري: "أو" للتنويع، قيل: الجرح، والنكبة كلاهما واحد. وقيل: الجرح ما يكون من فعل الكفّار، والنكبة الجراحة التي أصابته من وقوعه من دابّته، أو وقوع سلاح عليه. قال: هذا هو الصحيح. وقد ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال:

هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعْ دَمِيتِ … وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ (٤)

(فَإِنَّها) أي النكبة التي فيها الجراحة (تجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال الطيبيّ: قد سبق شيئان: الجرح، والنكبة، وهي ما أصابه في سبيل اللَّه من الحجارة، فأعاد الضمير إلى النكبة؛ دلالة على أن حكم النكبة إذا كانت بهذه المثابة، فما ظنّك بالجرح بالسنان، والسيف؟، ونظيره قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} الآية


(١) - راجع "شرح السندي" ٦/ ٢٥ - ٢٦.
(٢) - راجع "زهر الربى" ٦/ ٢٥.
(٣) - "النهاية" ٥/ ١١٣.
(٤) - "المرقاة" ٧/ ٣٨٨.