للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(هِيَ بَقِيَّةُ طَلَاقِهَا) يعني أنه طلّقها قبل ذلك تطليقتين، وقد بقي لها تطليقة واحدة، فأرسل بها إليها، فصار الطلاق بهذه الطلقة طلاقًا بائنًا.

وهذه الرواية مفسّرة للروايات الأخرى، فقد وردت الروايات بألفاظ، ففي رواية: "طلّقها طلقةً كانت بقيت من طلاقها"، وفي رواية: "أنه طلّقها ثلاثًا"، وفي رواية: "طلّقها آخر ثلاث تطليقات"، وفي رواية: "طلّقها"، ولم يذكر عددًا، ولا غيره.

قال النووي: فالجمع بين هذه الروايات أنه كان طلّقها قبل هذا طلقتين، ثم طلّقها هذه المرّة الطلقة الثالثة، فمن روى أنه طلّقها مطلقًا، أو طلّقها واحدةً، أو طلّقها آخر ثلاث تطليقات، فهو ظاهر، ومن روى "البتّةَ" فمراده طلّقها طلاقًا صارت به مبتوتة بالثلاث، ومن روى ثلاثًا أراد تمام الثلاث انتهى (١).

(وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ) بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبا عبد الرحمن المكيّ، أخا أبي جهل، وابن عم خالد بن الوليد، وأمه فاطمة بنت الوليد ابن المغيرة. قال الزبير بن بكّار: كان شريفًا مذكورًا، مدحه كعب بن الأشرف اليهوديّ، وشهد الحارث بن هشام بدرًا مع المشركين، وكان فيمن انهزم، فعيّره حسّان ابن ثابت، فقال [من الكامل]:

إِنْ كنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي … فَنَجَوْتِ مَنْجَى الحَارِثِ بن هَشَامِ

تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهمْ … وَنَجَا بِرَأْسِ طِمْرَةِ (٢) وِلِجَامِ

فأجاب الحارث [من الكامل]:

اللَّه يَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُمْ … حَتَّى رَمَوْا فَرَسِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ

فَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا … أُقْتَلْ وَلَا يُنْكِي عَدُوِّي مَشْهَدِي

فَفَرَرْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبَّةُ فِيهِمُ … طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابٍ يَوْمٍ مُرْصَدِ

ويقال: إن هذه الأبيات أحسن ما قيل في الاعتذار من الفرار. قال الزبير: ثم شهد أحدًا مشركًا حتى أسلم يوم فتح مكة، ثم حسن إسلامه. قال: وحدثني عمي، قال: خرج الحارث في زمن عمر بأهله وماله من مكة إلى الشام، فتبعه أهل مكة، فقال: لو استبدلت بكم دارًا بدار ما أردت بكم بدلاً، ولكنها النقلة إلى اللَّه، فلم يزل بالشام حتى ختم اللَّه له بخير. قال الزبير: لم يترك الحارث إلا ابنه عبد الرحمن، فأُتي به، وبناجية


(١) - "شرح مسلم" ٩/ ٣٣٥.
(٢) - "الطمرة" -بكسر الطاء المهملة، وسكون الميم-: الفرس الجواد. ذكره في "القاموس" من جملة معاني "الطمر".