للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الرابع]: أن هذا كان في نسوة، كان الرجل يتزوّج إحداهنّ على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا، واحتجّ بأن الآية نزلت في ذلك.

[الخامس]: أنه عامّ في تحريم نكاح الزانية على العفيف، والعفيفة على الزانية انتهى (١).

وقال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: وأما نكاح الزانية، فقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بتحريمه في "سورة النور"، وأخبر أن من نكحها، فهو إما زان، أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه وتعالى، ويعتقد وجوبه عليه، أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده، فهو مشرك، وإن التزمه، واعتقد وجوبه، وخالفه، فهو زان، ثم صرّح بتحريمه، فقال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣]. ولا يخفى أن دعوى نسخ الآية بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢]، من أضعف ما يُقال، وأضعف منه حملُ النكاح على الزنى؛ إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزني، إلا بزانية، أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان، أو مشرك، وكلام اللَّه تعالى ينبغي أن يُصان عن مثل هذا.

وكذلك حمل الآية على امرأة بغيّ مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه وتعالى إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفّة، فقال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: ٢٥]، فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة، دون غيرها، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، فيُقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع، وما عداه فعلى أصل التحريم.

وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى قال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: ٢٦]، والخبيثات: الزواني، وهذا يقتضي أن من تزوّج بهنّ فهو خبيث.

وأيضًا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغيّ، وقُبْحُ هذا مستقرّ في فطر الخلق، وهو عندهم غاية المسبّة. وأيضًا فإن البغيّ لا يُؤمَنُ أن تُفسد على الرجل فراشه، وتعلّق عليه أولادًا من غيره، والتحريم يثبت بدون هذا. وأيضًا فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فرّق بين الرجل وبين المرأة التي وجدها حبلى من الزنى (٢). ثم ذكر قصة مرثد


(١) - راجع "نيل الأوطار" ٦/ ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) - هو ما أخرجه أبو داود في "سننه" من طريق ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار، قال ابن أبي السري: من أصحاب النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يقل من الأنصار، ثم اتفقوا، يقال له: بصرة، قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها، فدخلت عليها، فهذا هي حبلى، فقال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فهذا ولدت- قال الحسن- فاجلدها"، وقال ابن أبي السري-: "فاجلدوها"، أو قال: "فحدوها". وهو حديث ضعيف.