للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فكيف، وقد أنكر أهل العلم ذلك من حكايته، ولم يعرّجوا عليها.

وإذا ثبت هذا الخبر، فقد صرّح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بوليّ، فلا معنى لما خالفهما.

وقد كان الزهريّ، والشعبيّ، يقولان: إذا زَوّجت المرأة نفسها كفؤًا بشاهدين، فذلك نكاحٌ جائز، وكذلك كان أبو حنيفة يقول: إذا زوّجت المرأة نفسها كفؤًا بشاهدين فذلك نكاح جائز، وهو قول زُفر. وإن زوّجت نفسها غير كفءٍ فالنكاح جائز، وللأولياء أن يفرّقوا بينهما.

قال ابن المنذر: وأما قول النعمان، فمخالف للسنّة، خارجٌ عن قول أكثر أهل العلم، وبالخبر عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نقول.

وقال أبو يوسف: لا يجوز النكاح إلا بوليّ، فإن سلّم الوليّ جاز، وإن أبى أن يسلم، والزوج كفءٌ: أجازه القاضي، وإنما يتمّ النكاح في قوله حين يجيزه القاضي، وهو قول محمد بن الحسن، وقد كان محمد بن الحسن يقول: يأمر القاضي الوليّ بإجازته، فإن لم يفعل استأنف عقدًا، ولا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أذن لها وليّها، فعقدت النكاح بنفسها جاز. وقال الأوزاعيّ: إذا ولّت أمرها رجلًا، فزوّجها كفؤًا، فالنكاح جائز، وليس للولّي أن يفرّق بينهما، إلا أن تكون عربية تزوّجت مولى، وهذا نحو مذهب مالك.

وحمل القائلون بمذهب الزهريّ، وأبي حنيفة، والشعبيّ قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بوليّ" على الكمال، لا على الوجوب، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" (١).

واستدلّوا على هذا بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، وقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. انتهى المقصود من كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي هو القول باشتراط الوليّ في النكاح، وهو الذي عليه الجمهور؛ لصحة الأحاديث المذكورة بذلك، وأما حملها على معنى الكمال، وتأويلها بذلك، فغير صحيح، يردّه قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فنكاحها باطلٌ"، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) حديث ضعيف، رواه الدارقطنيّ من حديث جابر وغيره.
(٢) راجع "تفسير القرطبيّ" ٣/ ٧٢ - ٧٥. "تفسير سورة البقرة".