للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): زاد في رواية الشيخين بعد رواية حديث الباب عن ابن شهاب -رحمه اللَّه تعالى-: ما نصّه: "فنرى خالة أبيها، وعمّة أبيها بتلك المنزلة". لفظ مسلم.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إنما صار ابن شهاب إلى ذلك؛ لأنه حمل الخالة،

والعمّة على العموم، وتمّ له ذلك؛ لأن العفة اسم لكلّ امرأة شاركت أباك في أصليه، أو في أحدهما، والخالة اسم لكلّ أنثى شاركت أمك في أصليها، أو في أحدهما.

وقد عقد علماؤنا -يعني المالكيّة- فيمن يحرم الجمع بينهما عقدًا حسنًا، فقالوا: كلّ امرأتين بينهما نسبٌ، بحيث لو كانت إحداهما ذكرًا لحرمت عليه الأخرى، فلا يُجمع بينهما. وإن شئت أسقطت "بينهما نسبٌ" وقلت بعد ذلك: كانت إحداهما ذكرًا، لحرمت عليه الأخرى من الطرفين. وفائدة هذا الاحتراز مسألة نكاح المرأة وربيبتها (١)،فإن الجمع بينهما جائز، ولو قدّرت امرأة الأب رجلًا، لحلّت له الأخرى، وهذا التحرّي (٢) هو على مذهب الجمهور المجيزين للجمع بين المرأة وربيبتها، وقد منعه الحسن، وابن أبي ليلى، وعكرمة.

وعلّل الجمهور منع الجمع بين من ذكرناه؛ لما يُفضي إليه الجمع من قطع الأرحام القريبة بما يقع بين الضرائر، من الشنآن والشرور بسبب الغيرة، وقد شهد لصحّة هذا التعليل ما ذكره أبو محمد الأصيليّ في "فوائده"، وأبو عمر بن عبد البّر عن ابن عباس، قال: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يتزوّج الرجل المرأة على العمة، أو على الخالة، وقال: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم". ومن مراسيل أبي داود عن حسين، قال: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن تنكح المرأة على قرابتها، مخافة القطيعة.

وقد طرد بعض السلف هذه العلّة، فمنع الجمع بين بنتي العمّتين، والخالتين، وبنتي الخالين، والعمّين. وجمهور السلف، وأئمة الفتوى على خلافه، وقصر التحريم على ما ينطلق عليه لفظ العمّات، والخالات.

وقد روى الترمذيّ حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا، وقال فيه: إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نهى أن تنكح المرأة على عمّتها، أو العمّة على ابنة أخيها، والمرأة على خالتها، أو الخالة على ابنة أختها، ولا تُنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى. وقال:


(١) هكذا نسخة "المفهم"، والظاهر أنه سقطت منه لفظة "عن"، والأصل: "عن مسألة نكاح المرأة الخ"، فقوله: "فائدة هذا" مبتدأ، خبره "الاحتراز"، و"عن مسألة الخ" متعلق بالاحتراز. واللَّه تعالى أعلم.
(٢) هكذا في النسخة، ولعل الصواب: وهذا التحرّز، فليُحرّر.