للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ انتهى. وهذا الحديث نصّ في هذه المسألة. قاله وليّ الدين (١).

(القول الثاني): أنه يُعتبر حكمه، ولو كان بعد الحولين بمدّة قريبة، وهو مستمرّ الرضاع، أو بعد يومين من فصاله، وهذا هو المشهور من مذهب مالك، وفي القريبة عندهم أقوالٌ: قيل: أيام يسيرة. وقيل: شهر. وقيل: شهران. وقيل: ثلاثة. قال أبو العباس القرطبيّ: وكأن مالكًا -رحمه اللَّه تعالى- يشير إلى أنه لا يفطم الصبيّ دفعة واحدة في يوم واحد، بل في أيام، وعلى تدريج، فتلك الأيام التي يحاول فيها فطامه حكمها حكم الحولين؛ لقضاء العادة بمعاودته الرضاع فيها.

(القول الثالث): تقدير ذلك بسنتين ونصف، وهو قول أبي حنيفة، وجعل قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} دالًا على تقدير كلّ من الحمل، والفصال بذلك كالأجل المضروب للمدتين. وقال صاحباه، والشافعيّ: هذه المدّة للمجموع، وقد دلّ قوله تعالى: {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} على حصّة الفصال من ذلك، فصارت بقيّة المدّة، وهي ستة أشهر للحمل، وهي أقلّه، مع أن أبا حنيفة لا يقول: أكثر الحمل سنتان ونصف، وإنما يقول: إنه سنتان.

(القول الرابع): تقديره بثلاث سنين، وهذا قول زفر، كذا أطلق النقل عنه غير واحد، منهم صاحب "الهداية"، وقيّد ابن عبد البرّ عنه بأن يجتزىء باللبن، ولا يطعم. (القول الخامس): أنه إن فطم قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعًا، ولو أرضع ثلاث سنين لم يفطم كان رضاعًا، حكاه ابن عبد البرّ عن الأوزاعيّ، وحكي أيضًا عن ابن القاسم أنه لو فطمته أمه قبل الحولين، واستغنى عن الرضاع، فأرضعته أجنبيّة قبل تمام الحولين لم يعد رضاعًا (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذه الأقوال كلّها للقائلين بعدم تحريم رضاع الكبير، وقد تقدّم لك في المسألة السابقة أن الأرجح أنه محرّم إذا كانت هناك حاجة مثل حاجة سالم مع سهلة، وكان خمس رضعات، كما أثبته الشارع لهما لشدّة حاجتهما، وأمر سهلة أن تُرضعه خمس رضعات، وأما إذا لم توجد حاجة شديدة فقول من حدّده بحولين أرجح؛ لوضوح أدّلته. فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٣٢١ - (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, قَالَ: سَمِعْنَاهُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ- عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ


(١) "طرح التثريب" ٧/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) راجع "طرح التثريب" ٧/ ١٣٧.