للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من غير عنف، ولا ضرب، بل بالرفق واللطف (وَعَلَّمَهَا، فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا) قال العينيّ: فإن قلت: أليس التأديب داخلًا تحت التعليم؟ قلت: لا، إذ التأديب يتعلّق بالمروآت، والتعليم بالشرعيّات، أعني أن الأول عرفيّ، والثاني شرعيّ، أو الأول دنيويّ، والثاني دينيّ انتهى (١) (ثُمَّ أَعْتَقَها وَتَزَوَّجَهَا) أي فتزوّجه زيادة في "الإحسان إليها، فيستحقّ به مضاعفة الأجر، وليس هو من باب العود إلى صدقته حتى ينتقص به الأجر (وَعَبْدٌ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَحَقَّ مَوَالِيهِ) قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-:

[إن قلت]: يُفهم من هذا أنه يؤجر على العمل الواحد مرّتين، مع أنه لا يؤجر على كلّ عمل إلا مرّة واحدة؛ لأنه يأتي بعملين مختلفين: عبادة اللَّه، والنصح لسيّده، فيؤجر على كلّ من العملين مرّةً، وكذا كلّ آتٍ بطاعتين يؤجر على كلّ واحدة أجرها، ولا خصوصيّة للعبد بذلك.

[قلت]: يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لما كان جنس العمل مختلفًا؛ لأن أحدهما طاعة اللَّه، والآخر طاعة مخلوق، خصّه بحصول أجره مرّتين؛ لأنه يحصل له الثواب على عمل لا يأتي في حقّ غيره، بخلاف من لا يأتي في حقّه إلا طاعةٌ خاصّة، فإنه يحصل أجره مرّةً واحدةً، أي على كلّ عمل أجر، وأعماله من جنس واحد، لكن تظهر مشاركة المطيع لأميره، والمرأة لزوجها، والولد لوالده له في ذلك.

ثانيهما: يمكن أن يكون في العمل الواحد طاعة اللَّه، وطاعة سيّده، فيحصل له على العمل الواحد الأجر مرَّتين؛ لامتثاله بذلك أمر اللَّه، وأمر سيّده المأمور بطاعته. واللَّه أعلم انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة ربه في العبادات، وطاعة سيّده في المعروف، فقام بهما جميعًا كان له ضعف أجر الحرّ المطيع لربّه مثل طاعته؛ لأنه قد ساواه في طاعة اللَّه، وفضل عليه بطاعة من أمره اللَّه بطاعته. قال: ومن هنا أقول: إن من اجتمع عليه فرضان، فأدّاهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد، فأدّاه، كمن وجب عليه صلاةٌ، وزكاةٌ، فقام بهما، فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاةٌ فقط. ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروضٌ، فلم يؤدّ منها شيئًا، كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها انتهى ملخّصًا.

قال الحافظ: والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة لما يدخل عليه من مشقّة الرقّ، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل، لم يختصّ العبد بذلك. وقال ابن التين: المراد أن كلّ عمل يعمله يُضاعف له. قال: وقيل: سبب التضعيف


(١) "عمدة القاري" ٢/ ١٢١ "كتاب العلم".
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ٢٢٦.