للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الطبرانيّ ذكر الأربعة، فلعلّ الحافظ لم يستحضر ذلك حينما كتب هذا الموضع، أو لعله لم يصحّح الحديث. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وهذا مصيرٌ من شيخنا إلى أن قضيّة مؤمن أهل الكتاب مستمرّة. وقد ادعى الكرمانيّ اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة، وعلّل ذلك بأن نبيّهم بعد البعثة إنما هو محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - باعتبار عموم بعثته انتهى.

وقضيّته أن ذلك أيضًا لا يتمّ لمن كان في عهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإن خصّه بمن لم تبلغه الدعوة، فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده، فما قاله شيخنا أظهر. والمراد بنسبتهم إلى غير نبيّنا - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك.

وأما ما قوّى به الكرمانيّ دعواه يكون السياق مختلفا، حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب: "رجلٌ" بالتنكير، وفي "العبد" بالتعريف، وحيث زيدت فيه "إذا" الدّالّة على معنى الاستقبال، فأشعر ذلك بأن الأجرين لمؤمن أهل الكتاب، لا يقع في الاستقبال بخلاف العبد انتهى. فهو غير مستقيم؛ لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متّفقًا عليه بين الرواة، بل هو عند البخاريّ وغيره متخلف، فقد عبّر في ترجمة عيسى بـ"إذا" في الثلاثة، وعبّر في "النكاح" بقوله: "أيّما رجل" في المواضع الثلاثة، وهي صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير، فلا أثر له هنا؛ لأن المعرّف بلام الجنس مؤدّاه مؤدّى النكرة. واللَّه تعالى أعلم (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٣٤٦ - (أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ, عَنْ أَبِي زُبَيْدٍ, عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ, عَنْ مُطَرِّفٍ, عَنْ عَامِرٍ, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِي مُوسَى, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «مَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ, ثُمَّ تَزَوَّجَهَا, فَلَهُ أَجْرَانِ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"عبثر بن القاسم أبو زبيد" هو: الكوفي [٨] ١٩/ ١١٦٤.

و"مطرّف": هو ابن طريف، أبو عبد الرحمن الكوفيّ الثقة الفاضل [٦]. والباقون هم المذكورون في السند الماضي.

والحديث متّفق عليه، وقد سبق البحث عنه مستوفًى في الذي قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "فتح" ١/ ٢٥٨ - ٢٥٩ "كتاب العلم" رقم ٩٧.