للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: تعلّق أبو حنيفة بهذه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ، وقال: إنما تكون يتيمة قبل البلوغ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة، لا يتيمة، بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطّها عن صداق مثلها؛ لأنها تختار ذلك، فيجوز إجماعًا.

وذهب مالكٌ، والشافعيّ، والجمهور من العلماء إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ، وتُستأمَرَ؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} الآية، والنساء اسم ينطلق على الكبار، كالرجال في الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير، فكذلك اسم النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة، وقد قال: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} والمراد به هناك اليتامى هنا؛ كما قالت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية، فلا تُزوّج إلا بإذنها، ولا تُنكح الصغيرة إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها، لكن لا تُزوّج إلا بإذنها، كما رواه الدارقطنيّ من حديث محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: زوّجني خالي قُدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون، فدخل المغيرة بن شعبة على أمها، فأرغبها في المال، وخطبها إليها، فرُفع شأنها إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال قُدامة: يا رسول اللَّه ابنة أخي، وأنا وصيّ أبيها، ولم أقصّر بها، زوّجتها مَنْ قد عَلِمت فضلَهُ، وقَرَابته، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنها يتيمة، واليتيمة أولى بأمرها"، فنزعت منّي، وزوّجوها المغيرة بن شعبة. قال الدارقطنيّ: لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع، وإنما سمعه من عمر بن حسين، عنه. ورواه ابن أبي ذئب، عن عمر بن حسين، عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر: أنه تزوّج بنت خاله عثمان بن مظعون، قال: فذهبت أمها إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقالت: إن ابنتي تكره ذلك، فأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يفارقها، ففارقها، وقال: "لا تُنكِحوا اليتامى حتى تسأمروهنّ، فإذا سكتن، فهو إذنها"، فتزوّجها بعد عبد اللَّه المغيرةُ بن شعبة (١).

فهذا يردّ ما يقوله أبو حنيفة من أنها إذا بلغت لم تحتج إلى وليّ؛ بناءً على أصله في عدم اشتراط الوليّ في صحّة النكاح. واللَّه أعلم انتهى كلام القرطبيّ (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في البحث المتعلّق بقوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}:

قال القرطبيّ في "تفسيره": اعلم أن هذا العدد مثنى، وثُلاث، ورُباع لا يدلّ على


(١) حديث صححه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ١٦٧، ووافقه الذهبيّ.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ١٣ - ١٤.