للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العُباب: كان الرجل يُشارط المرأة شرطًا على شيء إلى أجل معلوم، ويُعطيها ذلك، فيستحلّ بذلك فرجها، ثم يُخلي سبيلها من غير تزويج، ولا طلاق. انتهى.

وقال ابن منظور -رحمه اللَّه تعالى-: والمتعة: التمتّع بالمرأة، لا تريد إدامتها لنفسك، ومتعة التزويج بمكة منه. وأما قول اللَّه تعالى في "سورة النساء" بعقب ما حُرّم من النساء، فقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي عاقدي النكاح الحلال، غير زُناة {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}، فإن الزّجّاج ذكر أن هذه الآية غلِطَ فيها قومٌ غَلَطًا عظيمًا لجهلهم باللغة، وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرامٌ، وإنما معنى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}، فما نكحتم منهنّ على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان أن تبتغوا بأموالكم محصنين، أي عاقدين التزويج، أي فما استمتعتم به منهنّ على عقد التزويج الذي جرى ذكره، فآتوهنّ أُجورهنّ فريضة، أي مهورهنّ، فإن استمتع بالدخول بها، آتى المهر تامًا، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر. قال الأزهريّ: المتاع في اللغة كلّ ما انتُفِعَ به، فهو متاعٌ، وقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} ليس بمعنى زوّدوهنّ الْمُتَعَ، إنما معناه: أعطوهنّ ما يَستمتعن، وكذلك قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} قال: ومن زعم أن قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} التي هي الشرط في التمتّع الذي يفعله الرافضة، فقد أخطأ خطأً عظيمًا؛ لأن الآية واضحةٌ بيّنةٌ. قال: فإن احتجّ محتجّ من الروافض بما يروى عن ابن عباس أنه كان يراها حلالًا، وأنه كان يقرؤها "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمَّى"، فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالًا، ثم لما وقف على نهي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رجع عن إحلالها. انتهى المقصود من كلام ابن منظور (١).

وترجم الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه": "باب نهي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن نكاح المتعة أخيرًا". قال في "الفتح": يعني تزويج المرأة إلى أجل، فإذا انقضى وقعت. وقوله في الترجمة: "أخيرًا" يُفهم منه أنه كان مباحًا، وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر، وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك، لكن قال في آخر الباب: "أن عليًّا بين أنه منسوخ، وقد وردت عدّة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الإذن فيها، وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهريّ، قال: "كنّا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجلٌ يقال له ربيع بن


(١) "لسان العرب" ٨/ ٣٢٩ - ٣٣٠.