للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحسن البصريّ، عن أنس، قال: قال عليّ بن أبي طالب: أتيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه، قد علمت قَدَمي في الإسلام، ومناصحتي، وأني، وأني، قال: "وما ذاك يا عليّ؟ " قال: تُزَوِّجُني فاطمةَ، قال: "وما عندك؟ "، قلت: عندي فرسي، ودرعي، قال: "أما فرسك، فلا بدّ لك منها، وأما درعك، فبعها"، قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين، فأتيته بها، فوضعتها في حجره، ثم قبض منها قبضةٌ، وقال: "يا بلال أبغنا بها طيبًا". وذكر باقي الحديث. فهذا بيان أن الدرع إنما ذُكِرَت في الصداق، لا من أجل الدخول؛ لأنها قصّة واحدة بلا شكّ. قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في دعوى كون الحديثين بمعنى واحد نظرٌ لا يخفى. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقد جاء في هذا أثرٌ، كما رويناه من طريق أبي عبيد، نا عمر بن عبد الرحمن، نا منصور بن المعتمر، عن طلحة بن مصرّف، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أن رجلًا تزوّج امرأة، فجهّزها إليه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قبل أن يَنقُدَها شيئًا".

وخيثمة من أكابر أصحاب ابن مسعود، وصحب عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنهما -. وقال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، ولا خلاف بين المسلمين في أنه من حين يعقد الزواج، فإنها زوجة له، فهو حلالٌ لها، وهي حلالٌ له، فمن منعها منه حتى يُعطيها الصداق، أو غيره، فقد حال بينه وبين امرأته، بلا نصّ من اللَّه تعالى، ولا من رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، لكن الحقّ ما قلنا: أن لا يُمنع حقّه منها، ولا تُمنَع هي حقها من صداقها، لكن يُطلق على الدخول عليها، أحبّت، أم كرهت، ويؤخذ مما يوجد له صداقها، أحبّ، أم كره، وصحّ عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -تصويبُ قول القائل: "أعط كلّ ذي حقّ حقّه"، وباللَّه تعالى التوفيق. انتهى كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أرجح الأقوال في المسألة أنه يجوز أن يدخل الرجل بامرأته قبل أن يدفع لها شيئًا؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه - المتقدِّم، ولحديث خيثمة بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -المتقدم، ولما أخرجه أبو داود من حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: أمرني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن أُدخل امرأةً على زوجها قبل أن يُعطيها شيئًا". والحديث، وإن كان في إسناده مقال، فالأحاديث المذكورة تشهد له، لكن الأولى أن لا يدخل بها حتى يعطيها شيئًا؛ لحديث عليّ - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب، وبهذا يُجْمَعُ بين حديث الباب والأحاديث المذكورة.


(١) "المحلّى" ٩/ ٤٨٨ - ٤٩٠.