للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَسَاءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ"، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ) أنس - رضي اللَّه عنه - (وَخَرَجَ الْقَوْمُ) أي اليهود من بيوتهم، متوجّهين (إِلَى أَعْمَالِهِمْ)، أو "إلى" بمعنى اللام، أي خرجوا لأجل أعمالهم التي كانوا يعملونها؛ فإنهم كانوا أصحاب زرع (قالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ) بن صُهيب الراوي عن أنس - رضي اللَّه عنه - (فَقَالُوا) أي القوم الذين خرجوا إلى أعمالهم لَمّا رأوا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه قد حلّوا بساحتهم (مُحَمَّدٌ) أي جاء محمد، فارتفاعه على أنه فاعل لفعل محذوف. ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هذا محمد (قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ) بن صهيب (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا) أشار بهذا إلى أنه لم يسمع هذه اللفظة من أنس، وإنما سمعه من بعض أصحابه عنه، ففيه رواية عن مجهول. والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قوله: قالوا: "محمد" فقط، وسمع من بعض أصحابه قولهم: "محمد والخميس".

قال الحافظ: يحتمل أن يكون بعض أصحابه محمد بن سيرين، فقد أخرجه البخاريّ من طريقه. أو ثابتًا البُنَانيّ، فقد أخرجه مسلم من طريقه انتهى (١) (والْخَمِيسُ) بفتح الخاء المعجمة-: الجيش، وسُمّي خميسًا؛ لأنه خمسة أقسام: مقدّمة، وساقةٌ، وقَلْبٌ، وجناحان. ويقال: مَيمنة، وميسرةٌ، وقلبٌ، وجناحان. وقال ابن سِيدَهْ: لأنه يخمس ما وجده. وتعقّبه الأزهريّ بأن التخميس إنما ثبت بالشرع، وقد كان أهل الجاهليّة يسمّون الجيش خميسًا، ولم يكونوا يعرفون الخمس، فبان أن التسمية الأولى هي الأولى (٢).

وقال في "اللسان": و"الخميس": الجيش. وقيل: الجيش الْجَرّار. وقيل: الجيشُ الْخَشِنُ. وقال في "المحكم": الجيش يَخْمِسُ ما وجَدَه، وسمّي بذلك؛ لأنهم خمسُ فِرَق: المقدّمة، والقلب، والميمنة، والميسرة، والساقة، ألا ترى إلى قول الشاعر:

قَدْ يَضْرِبُ الْجَيْشَ الْخَمِيسَ الأَزْوَرَا

فجعله صفة انتهى (٣).

ثم ارتفاع "الخميس" بكونه عطفًا على "محمد"، ويحتمل نصبه على أنه مفعولٌ معه، والواو فيه بمعنى "مع"، أي جاء محمد مع الجيش، كما قال في "الخلاصة":

يُنْصَبُ تالِي الْواوِ مَفْعُولًا مَعَهُ … فِي نَحوِ "سِيرِي والطَّرِيقَ مُسْرِعَه"

بِمَا مِنَ الْفِعلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ … ذَا النَّصْبُ لَا بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقُّ

(وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً) -بفتح العين المهملة، وسكون النون -أي قَهْرًا وغَلَبَة، وقيل: أخذه


(١) "فتح" ٢/ ٣٣. "كتاب الصلاة".
(٢) راجع "الفتح" ٢/ ٣٣ و"عمدة القاري" ٣/ ٣٢٥.
(٣) "لسان العرب" ٦/ ٧٠. مادة خمس.