للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قيل]: فقد (١) يُجمِعُ الصحابة، ويقبل منهم ذلك. [قلنا]: إنما يقبل ذلك؛ لأنه يُستَدلّ بإجماعهم على ناسخ، وأما أنهم يَنسخون من تلقاء أنفسهم، فمعاذ اللَّه؛ لأنه إجماعْ على الخطإ، وهم معصومون عن ذلك.

[فإن قيل]: فلعلّ النسخ إنما ظهر في زمن عمر - رضي اللَّه عنه -. [قلنا]: هذا أيضًا غلطٌ؛ لأنه يكون قد حصل الإجماع على الخطإ في زمن أبي بكر، وليس انقراض العصر شرطًا في صّحة الإجماع على الراجح.

قال الحافظ: نقل النوويّ هذا الفصل في "شرح مسلم"، وأقرّه، وهو متَعَقَّبٌ في مواضع: [أحدها]: أن الذي ادّعى نسخ الحكم لم يقُل: إن عمر هو الذي نَسَخَ حتى يلزم منه ما ذُكِرَ، وإنما قال: ما تقدّم يشبه أن يكون علم شيئًا من ذلك نسخ، أي اطّلع على ناسخ للحكم الذي رواه مرفوعًا، ولذلك أفتى بخلافه. وقد سَلَّم المازريّ في أثناء كلامه أن إجماعهم يدلّ على ناسخ، وهذا هو مراد من ادّعى النسخ.

[الثاني]: إنكاره الخروج عن الظاهر عجيبٌ، فإن الذي يُحاول الجمع بالتأويل يرتكب خلاف الظاهر حتمًا. [الثالث]: أن تغليطه من قال: المراد ظهور النسخ عجيبٌ أيضًا؛ لأن المراد بظهوره انتشاره، وكلام ابن عباس أنه كان يُفعل في زمن أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ، فلا يلزم ما ذُكر من إجماعهم على الخطإ. وما أشار إليه من مسألة انقراض العصر لا يجيء هنا؛ لأن عصر الصحابة لم ينقرض في زمن أبي بكر، بل ولا عمر؛ فإن المراد بالعصر الطبقة من المجتهدين، وهم في زمن أبي بكر وعمر، بل وبعدهما طبقة واحدة.

[الجواب الرابع]: دعوى الاضطراب، قال القرطبيّ في "المفهم": وقع فيه مع الاختلاف على ابن عباس الاضطراب في لفظه، وظاهر سياقه يقتضي النقل عن جميعهم وأن معظمهم كانوا يرون ذلك، والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم، وينتشر، فكيف ينفرد به واحد عن واحد؟ قال: فهذا الوجه يقتضي التوقّف عن العمل بظاهره، إن لم يقتض القطع ببطلانه.

[الجواب الخامس]: دعوى أنه ورد في صورة خاصّة، فقال ابن سُريج وغيره: يُشبه أن يكون ورد في تكرير اللفظ، كأن يقول: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، وكانوا أوّلاً على سلامة صدورهم يُقبل منهم أنهم أرادوا التأكيد، فلما كثُر الناس في زمن عمر، وكثُر فيهم الخداع، ونحوه، مما يمنع قبول من ادّعى التأكيد حمل عمرُ اللفظ على


(١) هكذا النسخة، ولعل الصواب: "فكيف"؟، فليحرّر.