للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال السبكيّ الكبير -رحمه اللَّه تعالى-: الهاجس لا يؤاخذ به إجماعًا، والخاطر، وهو جريان ذلك الهاجس، وحديث النفس لا يؤاخذ بهما؛ للحديث المشار إليه، والهمّ، وهو قصد فعل المعصية مع التردّد لا يؤاخذ به؛ لحديث الباب، والعزم، وهو قوّة ذلك القصد، أو الجزم به، ورفع التردّد، قال المحقّقون: يؤاخذ به، وقال بعضهم: لا، واحتجّ بقول أهل اللغة: همّ بالشيء: عزم عليه، وهذا لا يكفي، قال: ومن أدلّة الأول حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما … " وفيه: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، فعلّل بالحرص. واحتجّ بعضهم بأعمال القلوب، ولا حجة معه؛ لأنها على قسمين: [أحدهما]: لا يتعلّق بفعل خارجيّ، وليس البحث فيه. [والثاني]: يتعلّق بالمقتتلين، عزم كلّ منهما على قتل صاحبه، واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه، وهو شهر السلاح، وإشارته به إلى الآخر، فهذا الفعل يؤاخذ به، سواء حصل القتل، أم لا انتهى. قال الحافظ: ولا يلزم من قوله: "فالقاتل والمقتول في النار" أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق. (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التفصيل الذي ذكره السبكيّ -رحمه اللَّه تعالى- هو خلاصة ما تقدّم من أقوال المحققين، وهو تفصيلٌ حسنٌ جدًّا، وبه تجتمع الأدلّة المختلفة في هذا الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٤٦١ - (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ, عَنْ مِسْعَرٍ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-, تَجَاوَزَ لأُمَّتِي, مَا وَسْوَسَتْ بِهِ, وَحَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا, مَا لَمْ تَعْمَلْ, أَوْ تَتَكَلَّمْ (٢) بِهِ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد عندهم رجال الصحيح، و"عبيد اللَّه بن سعيد": هو المذكور قبل باب، و"ابن إدريس": هو عبد اللَّه الأوديّ الكوفيّ. و"مِسْعَر": هو ابن كدام الهلاليّ الكوفيّ. و"زُرارة بن أوفى": هو العامريّ الْحَرَشيّ، أبو حاجب البصريّ، الثقة العابد، قاضي البصرة، مات وهو ساجد، سنة (٩٣) [٣] ٢٧/ ٩١٧.

وقوله: "عن أبي هريرة" قال الحافظ: لم أقف على التصريح بسماع زُرارة لهذا الحديث من أبي هريرة، لكنه لم يوصف بالتدليس، فيُحمل على السماع. وذكر الإسماعيليّ أن الفرات بن خالد أدخل بين زُرارة، وبين أبي هريرة في هذا الإسناد رجلاً


(١) "فتح" ١٣/ ١٢٤ - ١٢٧.
(٢) وفي نسخة: "أو تكلّم".