للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): اختلفوا في التخيير، هل هو بمعنى التمليك، أو بمعنى التوكيل؟ وللشافعي فيه قولان: المصحّح عند أصحابه أنه تمليكٌ، وهو قول المالكيّة بشرط مبادرتها له حتى لو أخّرت بقدر ما ينقطع القبول عن الإيجاب في العقد، ثم طلّقت لم يقع. وفي وجه لا يضرّ التأخير ما داما في المجلس، وبه جزم ابن القاصّ، وهو الذي رجّحه المالكيّة، والحنفيّة، وهو قول الثوريّ، والليث، والأوزاعيّ. وقال ابن المنذر: الراجح أنه لا يتقيّد، ولا يشترط فيه الفور، بل متى طلّقت نفذ، وهو قول الحسن، والزهريّ، وبه قال أبو عبيد، ومحمد بن نصر، من الشافعيّة، والطحاويّ من الحنفيّة. وتمسّكوا بحديث الباب، حيث وقع فيه: "إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك … " الحديث، فإنه ظاهرٌ في أنه فسّح لها إذ أخبرها أن لا تختار شيئًا حتى تستأذن أبويها، ثم تفعل ما يشيران به عليها، وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير.

قال الحافظ: ويمكن أن يقال: يشترط الفور، أو ما داما في المجلس عند الإطلاق، فأما لو صرّح الزوج بالفسحة في تأخيره بسبب يقتضي ذلك، فيتراخى، وهذا الذي وقع في قصّة عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، ولا يلزم من ذلك أن يكون كلّ خيار كذلك. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي ذكره الحافظ من الإمكان فيه نظر لا يخفى، بل الظاهر ما قاله الحسن، والزهريّ، وأبو عبيد، والطحاويّ، واختاره ابن المنذر --رحمهم اللَّه تعالى--، من عدم التقييد في التخيير، كما هو ظاهر حديث الباب، فليُتأمّل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٤٦٧ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ, عَنْ مَعْمَرٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, بَدَأَ بِي, فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ, إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا, فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تُعَجِّلِي, حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» , قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ وَاللَّهِ, أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا, لِيَأْمُرَانِّي بِفِرَاقِهِ, فَقَرَأَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} , فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا خَطَأٌ, وَالأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ).

قال الجامع عفا اللَّهَ تعالى عنه: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير "محمد بن


(١) "فتح" ١٠/ ٤٦٣ - ٤٦٤. "كتاب الطلاق".