للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرواية بلفظ: "لا يعمد الخ"، فمن ثمّ ادّعى من ادّعى أنها تغيير، ولكن قال ابن مالك: وقع في الرواية "إذًا" بألف وتنوين، وليس ببعيد. وقال أبو البقاء: هو بعيد، ولكن يمكن أن يوجّه بأن التقدير: لا واللَّه لا يعطي إذًا، يعني، ويمكن لا يعمد الخ تأكيدًا للنفي المذكور، وموضّحًا للسبب فيه. وقال الطيبيّ: ثبت في الرواية "لا ها اللَّه إذًا"، فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة؛ لأن العرب لا تستعمل لا ها اللَّه بدون "ذا"، وإن سلّم استعماله بدون "ذا"، فليس هذا موضع "إذًا"؛ لأنها حرف جزاء، والكلام هنا على نقيضه، فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر "لا" في قوله: "لا يعمد"، بل كان يقول: إذًا يعمد إلى أسد الخ ليصحّ جوابًا لطلب السلب، قال: والحديث صحيح، والمعنى صحيح، وهو كقوله لمن قال لك افعل كذا، فقلت له: واللَّه إذًا لا أفعل، فالتقدير إذًا، واللَّه لا يعمد إلى أسد الخ، قال: ويحتمل أن تكون "إذًا" زائدة، كما قال أبو البقاء: إنها زائدة في قوله الحماسيّ:

إِذَا لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ

في جواب قوله:

لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تُسْتَبَحْ إِبِلِي

قال: والعجب ممن يعتني بشرح الحديث، ويقدّم نقل بعض الأدباء على أئمّة الحديث، وجهابذته، وُينسبون إليهم الخطأ والتصحيف، ولا أقول: إن جهابذة المحدّثين أعدل، وأتقن في النقل، إذ يقتضي المشاركة بينهم، بل أقول: لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم.

وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية, ورد ما خالفها الإمام أبو العبّاس القرطبيّ في "المفهم"، فنقل ما تقدّم عن أئمّة العربيّة، ثم قال: وقع في رواية العُذْريّ، والهوزنيّ في مسلم: "لا ها اللَّه ذا" بغير ألف ولا تنوين، وهو الذي جزم به من ذكرناه، قال: والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صوابٌ، وليست بخطأٌ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم، وذلك لأن العرب تقول في القسم: "آاللَّه لأفعلنّ" بمدّ الهمزة، وبقصرها، فكأنهم عوضوا عن الهمزة "ها"، فقالوا: "ها اللَّه"؛ لتقارب مخرجيهما، وكذلك قالوا بالمدّ والقصر، وتحقيقه أن الذي مدّ مع الهاء كأنه نطق بهمزتين، أَبدل من إحداهما ألفًا؛ استثقالاً لاجتماعهما، كما تقول: آاللَّه، والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة، كما تقول: اللَّه. وأما "إذًا"، فهي بلا شكّ حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرُّطَب إذا جفّ؟ "، قالوا: نعم، قال: