للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُويمر: واللَّه لا أنتهي حتى أسال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ) وفي رواية مالك: "فأقبل عُويمر حتى أتى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وسط الناس (١)، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتده، فتقتدونه؟، أم كيف يفعل؟ " (فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيكَ، وَفِي صَاحِبَتِكَ) قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهر هذا السياق أنه كان تقدّم منه إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته، فيترجّح أحد الاحتمالات التي أشار إليها ابن العربيّ. لكن ظهر لي من بقيّة الطرق أن في السياق اختصارًا، ويوضّح ذلك ما وقع في حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - في قصّة العجلانيّ بعد قوله: "إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك": "فسكت عنه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألتك عنه، قد ابتُليتُ به"، فدلّ على أنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف، ثم عاد. ووقع في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: أن الرجل لما قال: "وإن سكت سكت على غيظ" قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهمّ افتح"، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان. وهذا ظاهر أن الآية نزلت عقب السؤال. لكن يحتمل أن يتخلّل بين الدعاء والنزول زمن بحيث يذهب عاصم، ويعود عويمر. وهذا ظاهر جدًّا في أن القصّة نزلت بسبب عويمر، ويعارضه حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - "إن هلال ابن أُميّة قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "البيّنة، أو حدّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إنني لصادقٌ، وليُنزلنّ اللَّه ما يُبرىء ظهري من الحدّ، فنزل جبريل، فأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الحديث. وفي رواية عبّاد منصور، عن عكرمة، عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - في هذا الحديث عند أبي داود: "فقال هلال: وإني لأرجو أن يجعل اللَّه لي فَرَجًا، قال: فبينا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كذلك إذ نزل عليه الوحي". وفي حديث أنس - رضي اللَّه عنه - عند مسلم، والنسائيّ (٢): "إن هلال بن أميّة قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام".

فهذا يدلّ على أن الآية نزلت بسبب هلال بن أمية - رضي اللَّه عنه -، وقد اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية، وسيأتي تحقيق ذلك في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى. (فَائْتِ بِهَا) وفي رواية مالك: "فاذهب، فأت بها". يعني فذهب، فأَتَى بها. واستُدلّ به على أن اللعان يكون عند الحاكم، وبأمره، فلو تراضيا بمن يُلاعن بينهما، فلاعن لم يصحّ؛ لأن في اللعان من التغليظ ما يقتضي أن يختصّ به الْحُكّام. وفي حديث ابن


(١) بفتح السين، وسكونها. اهـ "فتح".
(٢) سيأتي للمصنف بعد باب.