للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيه صورة خفيّةً، بأن بها خلقة آدميّ، فهذا في حكم الحال الأول؛ لأنه قد تبيّن بشهادة أهل المعرفة أنه ولد.

[الحال الرابع]: أن تُلقي مضغة، لا صورة فيها، فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدميّ، فاختلف عن أحمد، فنقل أبو طالب أنه عدّتها لا تنقضي، ولا تصير به أم ولد؛ لأنه لم يبن فيه خلق آدميّ، فأشبه الدم. وقد ذُكر هذا قولاً للشافعيّ. ونقل الأثرم عنه أن عدتها لا تنقضي به، ولكن تصير أم ولد؛ لأنه مشكوك في كونه ولدًا، فلا تنقضي عدتها، ويثبت كونها أم ولد؛ احتياطًا في كلّ منهما.

[الحال الخامس]: أن تضع مضغة لا صورة فيها، ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدميّ، فهذا لا تنقضي به عدّة، ولا تصير به أم ولد؛ لأنه لم يثبت كونه ولدًا ببيّنة، ولا مشاهدة، فأشبه العلقة. ولا تنقضي العدّة بوضع ما قبل المضغة بحال، سواء كان نطفة، أو علقة، وسواء قيل: مبتدأ خلق آدميّ، أو لم يُقل. ولا نعلم في هذا مخالفًا إلا الحسن، فإنه قال: إذا علم أنه حمل انقضت به العدّة، وفيه الغُرّة. والأول الأصحّ، وعليه الجمهور. وأقلّ ما تنقضي به العدّة من الحمل أن تضعه بعد ثمانين يومًا منذ أمكنه وطؤها؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "إن خلق أحدكم ليُجمَع في بطن أمه، فيكون نطفة أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك … " الحديث متّفقٌ عليه. ولا تنقضي العدّة بما دون المضغة، فوجب أن تكون بعد الثمانين، فأما ما بعد الأربعة أشهر، فليس فيه إشكال؛ لأنه يُنكّس في الخلق الرابع. انتهى كلام ابن قدامة بتصرّف واختصار وهو تفصيل حسن جدًّا (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٥٣٤ - (أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ, عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, أَمَرَ سُبَيْعَةَ, أَنْ تَنْكِحَ, إِذَا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"نصر بن عليّ": هو الجهضمي البصريّ الثقة الثبت، أحد مشايخ الأئمة الستة الذين اتفقوا على الرواية عنهم بدون واسطة، وهم تسعة، وقد تقدّموا غير مرّة. و"عبد اللَّه بن داود": هو أبو عبد الرحمن الْخُرَيبيّ، كوفيّ الأصل الثقة العابد.

وقوله: "إذا تعلّت" -بتشديد اللام- من تَعلّى: إذا ارتفع، أو برأ، أي إذا ارتفعت، وطهرت، أو خرجت من نفاسها، وسلمت. والظرف متعلّقٌ بـ "أمر"، لا لاستمرار العدّة


(١) "المغني" ١١/ ٢٢٩ - ٢٣٠.