للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَتْ زَيْنَبُ) - رضي اللَّه تعالى عنها -، بالسند السابق، وهذا هو الحديث الثاني (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) أم المؤمنين - رضي اللَّه تعالى عنها -. قال في "الفتح": وظاهره أن هذه القصّة وقعت بعد قصّة أم حبيبة - رضي اللَّه تعالى عنها -، ولا يصحّ ذلك إلا إن قلنا بالتعدّد، ويكون ذلك عقب وفاة يزيد بن أبي سفيان؛ لأن وفاته سنة ثمان عشرة، أو تسع عشرة، ولا يصحّ أن يكون ذلك عند وفاة أبيه؛ لأن زينب بنت جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين، على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار، فيُحمل على أنها لم ترد ترتيب الوقائع، وإنما أرادت ترتيب الأخبار. وقد وقع في رواية أبى داود بلفظ: "ودخلت"، وذلك لا يقتضي الترتيب. واللَّه أعلم انتهى (١)

(حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: لم أتحقّق من المراد به؟؛ لأن لزينب ثلاثة إخوة: عبد اللَّه، وعبد، بغير إضافة، وعبيد اللَّه بالتصغير، فأما الكبير، فاستُشهد بأحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًّا؛ لأن أباها أبا سلمة مات بعد بدر، وتزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أمها، أم سلمة، وهي صغيرة ترضع، فقد ثبت أن أمها حلّت من أبي سلمة بوضع زينب هذه، فانتفى أن يكون هو المراد هنا، وإن كان وقع في كثير من "الموطّآت" بلفظ: "حين توفّي أخوها عبد اللَّه"، كما أخرجه الدارقطنيّ من طريق ابن وهب وغيره عن مالك، وأما عبدٌ بغير إضافة، فيُعرف بأبي حميد، وكان شاعرًا أعمى، وعاش إلى خلافة عمر - رضي اللَّه عنه -. وقد جزم ابن إسحاق وغيره من أهل العلم بالأخبار بأنه مات بعد أخته زينب بسنة. وروى ابن سعد في ترجمتها في "الطبقات" من وجهين أن أبا حميد المذكور حضر جنازة زينب مع عمر - رضي اللَّه عنه -، وحكي عنه مراجعة له بسببها، وإن كان في إسنادهما الواقديّ، لكن يُستشهد به في مثل هذا، فانتفى أن يكون هذا الأخير المراد. وأما عُبيد اللَّه المصغّر، فأسلم قديمًا، وهاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة، ثم تنصّر هناك، ومات، فتزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعده أم حبيبة، فهذا يحتمل أن يكون هو المراد؛ لأن زينب بنت أبي سلمة عند ما جاء الخبر بوفاة عبيد اللَّه، كانت في سنّ من يَضبط، ولا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيّما إذا تذكّر سوء مصيره. ولعلّ الرواية التي في "الموطّإ" "حين توفّي أخوها عبد اللَّه" كانت بالتصغير، فلم يَضبطها الكاتب. واللَّه أعلم.

ويعكُر على هذا قول من قال: إن عُبيد اللَّه مات بأرض الحبشة، فتزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أم حبيبة، فإن ظاهرها أن تزويجها كان بعد موت عُبيد اللَّه، وتزويجها وقع بأرض الحبشة،


(١) "فتح" ٣/ ٤٩١ - ٤٩٢. "كتاب الجنائز".