للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التي يقع مقتضاها تارةً، ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا: واللَّه، وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجيّ، بل هي لإنشاء القسَم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين: [أحدهما]: أن يتعلّق بالمستقبل، كقوله: إنّ فعل كذا، فهو يهوديّ، والثاني يتعلّق بالماضي، كقوله: إن كان فعل كذا فهو يهوديّ. وقد يتعلّق بهذا من لم ير فيه الكفّارة؛ لكونه لم يَذكُر فيه كفّارةً، بل جعل المرتّب على كذبه قوله: "فهو كما قال".

قال ابن دقيق العيد: ولا يَكفُرُ في صورة الماضي، إلا إن قصد التعظيم، وفيه خلاف عند الحنفيّة؛ لكونه يتخيّر معنى، فصار كما لو قال: هو يهوديّ. ومنهم من قال: إن كان لا يعلم أنه يمين لم يَكفُر، وإن كان يعلم أنه يكفر بالحثّ به كفر؛ لكونه رضي بالكفر حين أقدم على الفعل.

وقال بعض الشافعيّة: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبًا، والتحقيق، فإن اعتقد تعظيم ما ذُكر كفَرَ، وإن قصد حقيقة التعليق، فيُنظر، فإن كان أراد أن يكون متّصفًا بذلك كفَرَ؛ لأن إرادة الكفر كفرٌ، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك، أو يُكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور (١).

قال الجامع: عندي أن الأول هو الظاهر؛ لظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم.

وقال عياضٌ: قوله: "كاذبًا" تفرّد بزيادتها سفيان الثوريّ، وهي زيادة حسنة، يستفاد منها أن الحالف المتعمّد إن كان مطمئنّ القلب بالإيمان" وهو كاذبٌ في تعظيم ما لا يُعتقد تعظيمه لم يكفر، وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملّة لكونها حقًا كفر، وإن قالها لمجرّد التعظيم لها احتمل. قال الحافظ: وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضًا (٢).

ودعوى عياض تفرد سفيان بهذه الزيادة إنما هو بالنسبة لرواية مسلم، وإلا فقد أخرجها النسائيّ هنا من طريق ابن أبي عديّ، عن خالد الحذّاء. فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ قُتَيبَةُ) بن سعيد (فِي حَدِيثِهِ) أي في روايته هذا الحديث عن ابن أبي عديّ (مُتَعَمِّدًا) أي بدلاً عن "كاذبًا" الذي أشار إليه بقوله (وَقَالَ يَزِيد: "كَاذبًا") يزيد هو ابن زُريع، هكذا نسخ "المجتبى وكان الظاهر أن يقول: وقال محمد بن عبد اللَّه؛ لأنه الذي في مقابلة قتيبة، وليس هذا في "الكبرى ولفظه: (وقال قتيبة في حديثه: بشيء متعمّدًا". انتهى.


(١) "فتح".
(٢) "فتح" ١٣/ ٣٨٨.