للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حملتنا، فظننا، أو فعرفنا أنك نسيتَ يمينك، قال: انطلقوا، فإنما حملكم اللَّه … " (فَقَالَ: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ) قال في "الفتح": قال العلماء: المراد بذلك إزالة المنّة عنهم، وإضافة النعمة لمالكها الأصليّ، ولم يُرد أنه لا صنع له أصلاً في حملهم؛ لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد ذلك: "لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفّرت".

وقال المازريّ: معناه أن اللَّه تعالى أعطاني ما حملتكم عليه، ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه. وقيل: يحتمل أنه كان نسي يمينه، والناسي لا يُضاف إليه الفعل. ويردّه التصريح بقوله: "واللَّه ما نسيتها"، وهي في "صحيح مسلم". وقيل: المراد بالنفي عنه، والإثبات للَّه الإشارةُ إلى ما تفضل اللَّه به من الغنيمة المذكورة؛ لأنها لم تكن بتسبّب من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا كان متطلّعًا إليها, ولا منتظرًا لها، فكان المعنى: ما أنا حملتكم لعدم ذلك أوّلًا، ولكن اللَّه حملكم بما ساقه إلينا من هذه الغنيمة. انتهى (١).

وقال القاضي عياض: ويجوز أن يكون أُوحي إليه أن يحملهم، أو يكون المراد دخودهم في عموم من أمر اللَّه تعالى بالقسم فيهم. واللَّه أعلم. انتهى (٢).

(إِنِّي وَاللَّهِ) وفي رواية للبخاريّ: "إنى واللَّه، إن شاء اللَّه"، قال أبو موسى المدينيّ في كتابه "الثمين في استثاء اليمين": لم يقع قوله: "إن شاء اللَّه" في أكثر الطرق لحديث أبي موسى، وأشار إلى أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قالها للتبرّك، لا للاستثناء. قال الحافظ: وهو خلاف الظاهر.

(لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ) أي محلوف يمين، فأطلق عليه لفظ "يمين"؛ للملابسة، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفا عليه، فهو من مجاز الاستعارة، ويجوز أن يكون فيه تضمين، فقد وقع في رواية لمسلم: "على أمر"، ويحتمل أن تكون "على" بمعنى الباء، فقد وقع في رواية النسائيّ (٣): "إذا حلفت بيمين"، ورُجّح الأول بقوله: "فرأيت غيرها خيرًا منها"؛ لأن الضمير في "غيرها" لا يصحّ عوده على اليمين. وأجيب بأنه يعود على معناه المجازيّ للملابسة أيضًا. وقال ابن الأثير في "النهاية": الحلف هو اليمين، فقوله: "أحلف": أي أعقد شيئًا بالعزم والنيّة، وقوله: "على يمين" تأكيد لعقده، وإعلامٌ بأنه ليست لغوًا. قال الطيبيّ: ويؤيّده رواية النسائيّ بلفظ: "ما على الأرض يمين


(١) "فتح" ١٣/ ٤٨٠.
(٢) "راجع "شرح مسلم للنوويّ" ١١/ ١١٣.
(٣) لم أر هذه اللفظة عنده، إلا أن يحمل على اختلاف النسخ. فاللَّه تعالى أعلم.