للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هوى أنفسهم، وثقتهم بأن كلّ الخير مضمون فيما أمر اللَّه سبحانه وتعالى به، لا فيما يبدو لهم، ويظنّون الخيريّة فيه، فقد قال هذا الصحابيّ الجليل - رضي اللَّه عنه -: "نهانا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية اللَّه، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - أنفع لنا"، فبيّن أن النفع الظاهر للنفس لا يُعتمد عليه، بل الاعتماد على ما شرعه اللَّه تعالى، فان الخير كله مضمون فيه، وهذا هو واجب كلّ مسلم إذا سمع نهي الشارع أن يقول: سمعًا وطاعة للَّه سبحانه وتعالى ولرسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويعتقد أن الخير كلّه في ذلك، وإن كان يظهر له بادئ ذي بدء أنَّ ما نهى عنه كان نافعًا له، ورافقًا به، فإن اللَّه سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده منهم لأنفسهم، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم المزارعة:

قال الإمام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: المزارعة جائزة في قول كثير من أهل العلم، قال البخاريّ: قال أبو جعفر: ما بالمدينة أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع. وزارع عليّ، وسعد، وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل عليّ، وابن سيرين. وممن رأى ذلك سعيد بن المسيّب، وطاوسٌ، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهريّ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابنه، وأبو يوسف، ومحمد. وروي ذلك عن معاذ، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد. قال البخاريّ: وعامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده، فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر، فلهم كذا.

وكرهها عكرمة، ومجاهد، والنخعيّ، وأبو حنيفة,. وروي عن ابن عبّاس الأمران جميعًا.

وأجازها الشافعيّ في الأرض بين النخيل، إذا كان بياض الأرض أقلّ، فإن كان أكثر فعلى وجهين، ومنعها في الأرض البيضاء؛ لما روى رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه -، قال: كنّا نُخابر على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فذكر أن بعض عمومته أتاه، فقال: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية اللَّه، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - أنفع لنا، قلنا: ما ذاك؟ قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من كانت له أرضٌ، فليَزرَعها, ولا يُكريها بثلث، ولا بربع، ولا بطعام مسمّى"، وعن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - قال: ما كنّا نرى بالمزارعة بأسًا حتى سمعت رافع ابن خَديج يقول: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عنها. وقال جابر - رضي اللَّه عنه -: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن المخابرة.

وهذه كلها أحاديث صحاح متّفقٌ عليها، والمخابرة؛ المزارعة، واشتقاقها من