للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨].

قال النوويّ: وَقَوْله- سُبْحَانه وَتَعَالَى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣]، مَعْنَاه: أَيْ لا تقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي هِي معصومة في الأَصْل، إِلا مُحِقِّينَ فِي قَتْلهَا. انتهى (١).

وقوْله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١]: أَيْ فَقْر. وَقَوْله تَعَالَى: {يَلْقَ أَثَامًا} قِيلَ: مَعْنَاهُ جَزَاء إِثْمه، وَهو قَوْل الْخَلِيل، وَسِيبَوَيْهِ، وَأَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ، وَالْفَرَّاءِ، وَالزَّجَّاجِ، وَأَبِي عَلِيّ الْفَارِسِيِّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عقوبَةً. قَالَهُ يُونُس، وَأَبُو عُبَيْدَة. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَزَاءً، قَالَهُ ابن عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ، أَوْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: هُوَ وَادٍ، فِي جَهَنَّم، عَافَانَا اللَّه الْكرِيم، وَأَحْبَابنَا مِنْهَا. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: ظاهر هذا أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، وليس كذلك؛ لأن الترمذيّ قد روى هذا الحديث، وقال فيه: وتلا النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية [الفرقان: ٦٨]، بدل "فأنزل اللَّه"، وظاهره أنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما قد كان أُنزل منها، على أن الآية تضمّنت ما ذكره في حديثه بحكم عمومها. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": والقتل، والزنا في الآية مطلقان، وفي الحديث مقيّدان، أما القتل فبالولد، خشية الأكل معه، وأما الزنا فبزوجة الجار، والاستدلال لذلك بالآية سائغٌ؛ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا، والقتل، لكن قتل هذا، والزنا بهذه أكبر، وأفحش. وقد روى أحمد من حديث المقداد بن الأسود - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "ما تقولون في الزنا؟ "، قالوا: حرامٌ، قال: لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره". انتهى (٤). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسانل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٨٠.
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ٨٠ - ٨١. "كتاب الإيمان".
(٣) "المفهم" ١/ ٢٨١ - ٢٨٢.
(٤) "فتح" ٩/ ٤٤٠. "كتاب التفسير".