للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأغلب في أنه مخوف، ورجحه الطبريّ، وهو الواضح؛ لأن نفيه من أرض النازلة هو نص الآية، وسجنه بعدُ بحسب الخوف منه، فإن تاب وفُهمت حاله سرح. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى-، وهو التغريب والسجن أرجح، كما رجحه الطبريّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اختلفوا، هل يشترط في قطع المحارب أخذ النصاب، أم لا؟:

قال ابن خويزمنداد: ولا يراعى المال الذي يأخذه المحارب نصابا كما يراعى في السارق، وقد قيل: يراعى في ذلك النصاب، ربع دينار، قال ابن العربي: قال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قدر ما تقطع فيه يد السارق، وقال مالك: يحكم عليه بحكم المحارب، وهو الصحيح، فإن اللَّه تعالى وَقّت على لسان نبيه - عليه الصلاة والسلام - القطع في السرقة في ربع دينار، ولم يُوَقّت في الحرابة شيئًا، بل ذكر جزاء المحارب، فاقتضى ذلك توفية الجزاء لهم على المحاربة عن حبة، ثم إن هذا قياس أصل على أصل، وهو مختلف فيه، وقياس الأعلى بالأدنى، والأدنى بالأسفل، وذلك عكس القياس، وكيف يصحّ أن يقاس المحارب على السارق، وهو يطلب خطف المال، فإن شُعر به فرّ، حتى إن السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال، فإن منع منه، أو صيح عليه وحارب عليه فهو محارب، يحكم عليه بحكم المحارب، قال القاضي ابن العربي: كنت في أيام حكمي بين الناس، إذا جاءني أحد بسارق، وقد دخل الدار بسكين، يحبسه على قلب صاحب الدار، وهو نائم وأصحابه يأخذون مال الرجل، حكمت فيهم بحكم المحاربين، فافهموا هذا من أصل الدين، وارتفعوا إلى يَفَاع (٢) العلم عن حضيض الجاهلين. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بعدم اشتراط النصاب في قطع المحارب هو الأرجح عندي؛ لعدم اشتراطه في النصّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): أنه لا خلاف في أن الحرابة يقتل فيها من قَتل، وإن لم يكن المقتول مكافئا للقاتل، وللشافعي قولان: أحدهما: أنها تعتبر المكافأة؛ لأنه قتل، فاعتبر فيه المكافأة كالقصاص، وهذا ضعيف؛ لأن القتل هنا ليس على مجرد القتل،


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) اليفع: أعلى الجبل، ومنه غلام يَفَعَةٌ، إذا ارتفع إلى البلوغ، والحضيض: الحفرة في أسفل الوادي، كذلك قال أهل اللغة. انتهى "تفسير القرطبيّ" ٦/ ١٥٤.