للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وما ذكره من أن الصلاة في الدار المغصوبة تصحّ، مما لا دليل عليه، وقد خالف الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-، فقال: إنها لا تصحّ، ولا يسقط بها الطلب، وهو الأصحّ، كما ذكرته في "شرح الكوكب الساطع" في الأصول، عند قوله:

مُطْلَقُ الأَمْرِ عِنْدَنَا لَا يَشْمَلُ … كُرْهًا فِفِى الْوَقْتِ الصَّلَاةُ تَبْطُلُ

أَمَّا الَّذِي جِهَاتُهُ تَعَدَّدَا … مِثْلُ الصَّلاةِ فِي مَكَانٍ اعْتَدَى

فَإِنَّهَا تَصِحُّ عِنْدَ الأَكْثَرِ … وَلَا ثَوَابَ عِنْدَهُم فِي الأَشْهَرِ

وقِيلَ لَا تَصِحُّ لَكِنْ حَصَلَا … سُقُوطُهُ والْحَنْبَليّ لَا وَلَا

وقوله: "والحنبلي لا لا" أي قال الإمام أحمد -رحمه اللَّه-: لا تصح الصلاة، ولا ثواب فيها، وهو الحقّ. واللَّه تعالى أعلم.

(حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَوَالِيهِ) أي إلى يرجع إلى مواليه تائبًا، فإذا رجع تائبًا قُبلت توبته؛ لحديث ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -، مرفوعًا: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، أخرجه ابن ماجه (١).

[تنبيه]: زاد مسلم في روايته بعد تخريج طريق منصور بن عبد الرحمن، موقوفة على جرير-: ما نصّه: "قَالَ: مَنْصُور: قَدْ واللَّه، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَلَكِنِّي أَكْرَه أن يُرْوَى عَنِّي هَاهُنَا بِالْبَصْرَةِ".

قال النوويّ في "شرحه": مَعْنَاهُ أنَّ مَنْصُورًا، رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ منْصُورٌ- بَعْد رِوايته إِياهُ موقُوفًا -: واللَّه إِنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَاعْلَمُوهُ أَيُّها الْخَوَاصُّ الْحَاضِرُونَ، فإِنِّي أَكْرَه أَنْ أُصَرِّحَ بِرَفْعِهِ فِي لَفْظ رِوَايَتِي، فَيَشِيع عَنِّي فِي الْبَصْرَة، الَّتِي هِيَ مَمْلُوءَة مِنْ الْمُعْتَزِلَة، وَالْخَوَارج الَّذِين يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْل الْمَعَاصِي فِي النَّار، والْخَوَارجُ يَزِيدُونَ عَلَى التخليد، فَيَحْكُمُون بِكُفْرِهِ، وَلَهُمْ شُبْهَةٌ فِي التَّعَلُّق بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ قدَّمْنَا تَأْوِيلَهُ، وبُطْلَانَ مَذَاهِبِهِمْ، بِالدَّلائِلِ الْقَاطِعَةِ الْوَاضِحَةِ، الَّتِي ذَكَرْناها فِي مَوَاضِع مِنْ هَذَا الْكِتَاب. وَاللَّه أَعْلَم. انتهى كلام النوويّ (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:


(١) حديث حسنٌ، أخرجه ابن ماجه، وفيه أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، وهو منقطع، لكن له شواهد.
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ٥٦. "كتاب الإيمان".