للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى عنه -: أنَّ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لَمَّا أَرسَلَهُ إِلَى الْيَمَن، قَالَ لَهُ: "أَيّمَا رَجُل ارْتَدَّ عَنْ الإسْلَام، فَادْعُهُ، فَإِنْ عَادَ، وَإلَّا فَاضْرِبْ عُنُقه، وَأَيّمَا امْرَأَة ارْتَدَّتْ عَنْ الإسْلَام، فادْعُها، فَإِنْ عَادَتْ، وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقها"، وَسَنَده حَسَن. وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِع النِّزَاع، فَيَجِب الْمَصِير إِلَيْهِ. وُيؤيِّدهُ اشْتِرَاك الرِّجال والنِّسَاء فِي الْحُدُود كُلّهَا، الزِّنَا، وَالسَّرِقَة، وَشُرْب الْخَمْر، وَالقَذْف، وَمِنْ صُوَر الزِّنَا رَجْم الْمُحْصَن حَتَّى يَمُوت، فَاسْتُثنِي ذَلِكَ مِنْ النَّهْي عَنْ قَتْل النِّسَاء، فَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى قَتْل الْمُرْتَدَّة. قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تحصّل مما تقدّم أن الأرجح قول الجمهور وهو أَنّ المرتدّة تُقتل، كما يُقتل المرتدّ من دون فرق بينهما؛ لوضوح الأدلة في ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): أنه استَدلّ بَعْض الشافعيّة بِعموم هذا الحديث على قَتْل مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِين كُفْر إِلَى دِين كُفْر، سَوَاء كَانَ مِمَّنْ يُقَرّ أَهْله عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ، أَوْ لا.

وقد أجاب بعض الحنفيّة بِأَنَّ الْعُمُوم فِي الْحَدِيث فِي الْمُبدِل، لَا فِي التَّبْدِيل، فَأَمَّا التَّبدِيل فَهُوَ مُطْلَق، لا عُمُوم فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِير التَّسليم، فَهُوَ مَتْرُوك الظَّاهِر اتِّفَاقًا فِي الْكَافِر، لَوْ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي عُمُوم الْخَبَر، وَلَيْسَ مُرَادًا.

وَاحْتَجُّوا أيضًا بِأَنَّ الكُفْر مِلَّة وَاحِدَة، فَلَوْ تَنَصَّرَ الْيَهُودِيّ، لَمْ يَخْرُج عَنْ دِين الْكُفْر، وَكَذَا لَوْ تَهَوَّدَ الْوَثَنِيّ، فوَضَحَ أَنَّ الْمُرَاد مَنْ بَدَّلَ دِين الإسْلَام بِدِينٍ غَيْره؛ لِأنَّ الدِّين فِي الْحَقِيقَة هُوَ الإسْلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ بِزَعْم المُدَّعِي.

وأمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا, فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، فقد احتجَّ بِهِ بَعْض الشَّافِعِيَّة، فَقَالَ: يُؤخَذ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَى ذَلِكَ.

وَأُجيبَ بِأنَّهُ ظَاهِر فِي أَنَّ مَنْ ارتَدَّ عَنْ الإسْلَامِ، لَا يُقَرّ عَلَى ذَلِكَ. سَلَّمْنَا: لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنه لَا يُقْبَل مِنْهُ، أَنَّهُ لَا يُقَرّ بِالْجِزْيَةِ، بَلْ عَدَم الْقَبُول وَالْخُسْرَان، إِنَّمَا هُوَ فِي الآخِرَة.

سَلَّمْنَا: أَنَّ عَدَم الْقَبُول، يُسْتَفَاد مِنْهُ عَدَم التَّقْرِير فِي الدُّنْيَا، لَكِنَّ الْمُسْتَفَاد أَنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَجَعَ إِلَى الدِّين الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَقَرًّا عَلَيْهِ بالْجِزْيةِ، فَإنَّهُ يُقْتَل، إِنْ لَمْ يُسْلِم مَعَ إِمْكَان الإمْسَاك بأَنَّا لَا نَقْبَل مِنْهُ، وَلَا نَقْتُلهُ، وَيُؤيِّدُ تَخْصِيصَهُ بِالإسْلامِ، مَا جَاءَ فِي بَعْض طُرُقه، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْه آخَر، عَنْ عِكْرِمَة، عَنْ ابْن عَبَّاس،


(١) "فتح" ١٤/ ٢٧٣. "كتاب استتابة المرتدّين".