للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِذَا مَا أَجّجُوا حَطَبًا وَنَارًا … هُنَاكَ الْمَوْت نَقْدًا غَيْر دَيْن

انتهى. قال الحافظ: وَكَأَنَّ عَمْرو بْن دِينَار، أَرَادَ بِذَلِكَ الرَّدّ عَلَى عمّار الدُّهْنِيّ، فِي إِنْكَاره أَصْل التَّحْرِيق.

قال: ثُمَّ وَجَدْت فِي الْجُزْء الثَّالِث مِنْ حَدِيث أَبِي طَاهِر الْمُخْلِص: "حَدَّثَنَا لُوَيْنٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ"، فَذَكَرَهُ عَنْ أَيُّوب وَحْده، ثُمَّ أَوْرَدَهُ عَنْ عَمَّار وَحْده، قال ابن عُيَيْنَةَ: فَذَكَرْته لِعَمْرِو بْن دِينَار، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: "فَأَيْنَ قَوْله: أَوْقَدْت نَارِي وَدَعَوْت قَنْبَرًا"، فَظَهَرَ بهِذَا صِحَّة مَا كُنْت ظَنَنْته. انتهى (١).

(قَالَ ابْنُ عَبَّاس) - رضي اللَّه تعالى عنهما -، لَمّا بلغه تحريق عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - لهم، وكان ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - حينئذ أميرًا على البصرة من قبل عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - (لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ) أي للنهي عن التحريق، كما بيّنه بقوله (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدًا") أي وهو التعذيب بالنار. قال في "الفتح": هذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة. انتهى.

وقد أخرج البخاريّ من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، أنه قال: بعثنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في بعث، فقال: "إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار"، ثم قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا اللَّه، فإن وجدتموهما فاقتلوهما".

(وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ) أي لأمر النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - بذلك، كما بيّنه بقوله (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ") زاد إسماعيل ابن عليّة في روايته: "فبلغ ذلك عليًّا، فقال: وَيْحَ أم ابن عبّاس"، كذا عند أبي داود، وعند الدارقطنيّ بحذف "أُمّ"، وهو محتمل أنه لم يرض بما اعترض به، ورأى أن النهي للتنزيه، وهذا بناء على أن "ويح" كلمة رحمة، فتوجّع له؛ لكونه حمل النهي على ظاهره، فاعتقد التحريم مطلقًا، فأنكر. ويحتمل أن يكون قالها رضًا بما قال، وأنه حفظ ما نسيه، بناء على أحد ما قيل في تفسير "ويح" أنها تقال بمعنى المدح، والتعجّب، كما حكاه في "النهاية"، وكأنه أخذه من قول الخليل: هي في موضع رأفة، واستملاح، كقولك للصبيّ: ويحه ما أحسنه، حكاه الأزهريّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح" ٦/ ٢٦٠. "كتاب الجهاد".