للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"النهاية": "كأنما أُنشط من عقال": أي حُلّ، قال: وكثيرًا ما يجيء في الرواية: "نشط"، وليس بصحيح، يقال: نَشَطتُ الْعُقْدة: إذا عقدتها، وأنشطتها، وانتشطتها: إذا حلّلتها. انتهى (١).

وقال الفيّوميّ: نَشَطتُ الحبلَ نَشْطًا، من باب ضرب: عقدتُه بأُنشوطة، والأُنشُوطة بضمّ الهمزة-: ربطة، دون العُقدة، إذا مُدّت بأحد طرفيها، انفتحت، وأنشطتُ الأُنشوطة بالألف: حللتها، وأنشطتُ العِقال: حللتُهُ، وأنشطت البعير من عِقَاله: أطلقتُهُ. انتهى. ونحوه في "اللسان"، و"القاموس".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أهل اللغة أن صواب الرواية: "كأنما أُنشِط من عِقال" رباعيًا مبنيًا للمفعول؛ لأن نَشَطَ ثلاثيًّا للربط، وأَنْشَطَ رباعيًّا للحلّ، فلا يقال: "كأنما نُشِط من عقاله"، وإنما يقال: "أُنشِط من عقاله"، كما قاله ابن الأثير في كلامه السابق. واللَّه تعالى أعلم.

و"العِقَال" بكسر المهملة، وتخفيف القاف: الحبلُ، وجمعه عَقُلٌ، مثلُ كتاب وكُتُب. (فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيِّ) وفي رواية: "فما ذكر رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لذلك اليهودي شيئًا مما صنع به، ولا آه في وجهه". أي لم يذكر النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لليهوديّ الساحر سحره الذي شاهده، والظاهر أنه أراد لم يعاتبه على ذلك، بل عفا عنه، كما هو هديه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في العفو والصفح عمن اعتدى عليه، فلا يُنافي ما ورد أنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أخذه، فاعترف، فعفا عنه. وفي مرسل عمر بن الحكم: "فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: حبّ الدنانير". وقوله (وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ) أي لم ير ذلك اليهوديّ الساحر في وجهه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أثر فعله السيّء، من الكراهية، والغضب، وإرادة الانتقام منه، بل عامله بالبشر واللطف كغيره من المنافقين.

وفي حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "قلت: يا رسول اللَّه، أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني اللَّه، فكرهت أن أُثير على الناس فيه شرًّا". والمراد بالناس التعميم في الموجودين. قال النوويّ: خشي من إخراجه، وإشاعته ضررًا على المسلمين، من تذكّر السحر، وتعلّمه، ونحو ذلك، وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ويحتمل أن يكون معنى إثارة الشرّ هو أن الصحابة إذا انتشر بينهم هذا الأمر، ربمّا يقوم بعضهم، فينتقم لرسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه


(١) "النهاية " ٥/ ٥٧.