للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِمعصِيتِهِ، لا يُؤاخِذُهُ، فكيف يُؤاخذ بِما دُونه؟.

وُيمكِن أن يُجاب عن هذا، بِأن اتتهاك حُرْمة الحرم بالمعصية، تستلزم انتهاك حُرْمة اللَّه، لأن تعظِيم الحرم من تعظِيم اللَّه، فصارت المعصية في الحرم، أشَدَّ من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترْك تعظِيم اللَّه تعالى.

نعم من هَمّ بالمعصية، قاصِدًا الاستِخفاف بالحرم عصى، ومنْ هَمّ بِمعصِيةِ اللَّه، قاصِدًا الاستِخفاف باللهِ كفر، وإنما المعفو عنهُ من هَمَّ بعصية، ذاهِلا عن قضد الاستِخفاف. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا تفصِيل جيد، يتبغِي أن يُستحضر عِند شرحِ حدِيث "لا يزنِي الزانِي، وهُو مُوْمِن".

وقال السُّبكِيّ الكبير: الهاجس لا يُؤاخذ بِهِ إِجماعًا، والخاطِر، وهُو جريان ذَلِكَ الهاجِس، وحدِيثُ النفس، لا يُؤاخذ بهِما؛ لِحدِيثِ المُشار إِليهِ، والهمّ، وهُو قصد فِعل المعصية مع التّردُّد، لا يُؤاخذ بِهِ؛ لحدِيث الباب، والعزم -وهُو قوة ذَلِكَ القصد أوْ الجزْم بِهِ، ورفع التَّردُّد- قال المُحقِّقُون: يُؤاخذ بِهِ، وقال بعْضهِم: لا، واحتجَّ بقوْلِ أهل اللّغة: هم بالشيءِ، عزم عليهِ، وهذا لا يكفِي. قال: ومِن أدِلّة الأوَّل حدِيث "إِذا التقى المسْلِمانِ بِسيفيهِما" الحدِيث، وفِيهِ أنَّهُ كان حرِيصًا على قتل صاحِبِهِ، فعُلِّل بِالحرْصِ.

واحتجَّ بعضهم بأعمالِ القُلُوب، ولا حُجة معهُ؛ لِأنها على قِسمينِ:

[أحدُهُما]: لا يتًعلق بفِعل خارِجِيَّ، وليس البحث فِيهِ.

[والثاني]: يتعلّق بِالمُلتقِيَينِ، عزم كُل مِنهُما على قتل صاحِبِهِ، واقترن بِعزمِهِ فِعل بعض ما عزم عليهِ، وهُو شهر السِّلاح، وإشارته بِهِ إِلى الآخر، فهذا الفِعل يُؤاخذ بِهِ، سواء حضل القتل أم لا. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التفصيل الذي قاله السبكيّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[فائدة]: استثنى بعض العُلماء من حديث: "فإن هم بسيئة، فعملها، كُتبت له سيئة واحدة" وُقُوع المعصية في الحرم المكّيِّ. قال إِسحاق بن منصُور: قُلت لِأحمد: هل ورد في شيء من الحديث، أنّ السَّيئة تُكتب بأكثر من واحِدة؟ قال: لا، ما سمِعْت، إِلا بِمكة؛ لِتعظِيم البلد.

والجمهُور على التعمِيم، في الأزمِنة والأمْكِنة، لكِن قدْ يتفاوتُ بِالعِظم.

ولا يرِدُ على ذَلِكَ قوْله تعالى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ


(١) "فتح" ١٣/ ١٢٢ - ١٢٧ "كتاب الرقاق". حديث: ٦٤٩١