للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ فِي هَذَا المُراد، ما أخرجهُ أحمد، والطبرانِيّ منْ وجه آخر، عن عُبادةَ، أَنَّهُ جَرَتْ لهُ قِصَّة مع أبِي هُريرة، عِنْد مُعاوِية بِالشَّامِ، "فقال: يا أبا هُريرة، إِنَّك لم تكُنْ معنا، إِذْ بايعنا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَلَى السَّمع والطَّاعة، فِي النَّشاط والكسل، وعلى الأمر بِالمعرُوفِ، والنَّهي عن المُنْكر، وعلى أن نقُول بالحقِّ، ولا نخاف فِي الله لومة لائِم، وعلى أن ننصُر رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، إِذَا قدِم علينا يثرب، فنمنعهُ مِمَّا نمنع مِنْهُ أنفُسنا، وأزواجنا، وأبناءنا، ولنا الجَنَّة، فهذِهِ بيعة رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- التِي بايعناهُ عليها. فذكر بقِية الحديث. وعِند الطَّبرانِيّ لهُ طرِيق أُخْرى، وألفاظ قريبة منْ هذِهِ. وَقَدْ وَضَحَ أنَّ هَذَا هُو الذِي وقع فِي البيعة الأولى، ثُمَّ صدرت مُبايعات أُخْرى، مِنها: هذِهِ البيعة فِي حدِيث الباب، فِي الزَّجر عن الفَواحِش المذكُورة. والَّذِي يُقوِّي أنَّها وقعت بعد فتح مَكَّة، بعد أنْ نزلت الآية الَّتِي فِي المُمْتحِنة، وهِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: ١٢] ونُزُولُ هذِهِ الآية مُتأخِّر، بعد قِصة الحُديبِية بِلا خِلاف، والدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ، ما عِنْد البُخَارِيّ فِي "كِتَاب الحُدُود" منْ طرِيق سُفيان بن عُيينة، عن الزُّهرِيّ، فِي حدِيث عُبادة هَذَا، أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، لَمَّا بايعهُنم قرأ الآية كُلها، وعِنده فِي "تفْسِير المُمْتَحِنَة" منْ هَذَا الوجه، قَالَ: "قرأ آية النِّسَاء"، ولِمُسْلِم منْ طرِيق معمر، عن الزُّهريّ، قَالَ: "فتلا علينا آية النساء، قَالَ: أن لا تُشْرِكنَ باللهِ شيئًا ولِلمصنّف فِي الرواية التالية: أَنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "ألا تُبايِعُونَنِي عَلَى ما بايع عَلَيْهِ النِّساءُ، أن لا تُشرِكُوا باللهِ شيئاً" الحديث. ولِلطَّبرانِيّ منْ وجه آخر، عَنْ الزُّهرِيّ بهذا السَّنَد: "بايعنا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَلَى مَا بَايع عَلَيْهِ النِّسَاء يوم فتح مَكَّة". ولِمسلِم منْ طرِيق أبِي الأشْعَث، عن عُبَادَة فِي هَذَا الْحَديث: "أَخَذَ علينا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما أخذ عَلَى النِّسَاء".

قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: فهذِهِ أدِلَّة ظاهِرة فِي أنَّ هذِهِ البيعة، إِنما صدرت بعد نُزُول الآية، بل بعد صُدُور البيعة، بل بعد فتح مكة، وذلِك بعد إِسلام أبِي هُريرة بِمُدةٍ. وُيؤيِّد هَذَا ما رواهُ ابن أبِي خيثمة، فِي "تارِيخه" عن أبِيهِ، عن مُحمَّد بن عبد الرَّحْمن الطُّفاوِيّ، عن أيُّوب، عن عمرو بن شُعيب، عَنْ أبِيهِ، عن جده، قَالَ: قَالَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أُبَايِعكم عَلَى أن لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيئًا"، فذكر نحو حدِيث عُبادة، ورِجاله ثِقات. وَقَدْ قَالَ إسحاق بن راهويهِ: إِذَا صَحَّ الإسْنَاد إِلى عمرو بن شُعَيْب، فهُو كأيُّوب، عن نافِع، عن ابْن عُمر. اهـ.

وَإذَا كَانَ عند الله بن عمرو، أَحَد مَنْ حضر هذِهِ الْبَيْعة، وَلَيْسَ هُوَ منْ الأنْصَار، ولا مِمن حضر بيعتهم، وإنَّما كَانَ إِسلامه قُرب إِسلام أبِي هُريرة، وضَحَ تغايُر الْبَيْعَتَينِ: