للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهُمْ يَزْعُمُونَ) جملة حالية (أَنَّ الْهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ. قَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ، مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ) ببناء الفعل للمفعول: أي مدّة مقاتلتهم، والمعنى: أن الهجرة باقية إلى يوم القيامة؛ لأن مقاتلة الكفّار مستمرّة إلى ذلك الوقت، فكلّ منْ لم يتمكن منْ إقامة دينه فِي وطنه لسيطرة الكفّار عليه، وجب عليه أن يهاجر إلى دار الإِسلام، إن تمكّن منْ الهجرة.

ووجه الجمع بينه، وبين الحديث الذي قبله: "لا هجرة بعد الفتح" هو ما قاله الخطّابيّ رحمه الله تعالى: كانت الهجرة فِي أول الإِسلام مندوبًا إليها، غير مفروضة، وذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: ١٠٠]، نزل حين اشتدّ أذى المشركين عَلَى المسلمين، عند انتقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة، وأُمروا بالانتقال إلى حضرته؛ ليكونوا معه، فيتعاونوا، ويتظاهروا إن حزبهم أمرٌ، وليتعلّموا منه أمر دينهم، ويتفقّهوا فيه، وكان عُظمُ الخوف فِي ذلك الزمان منْ قُريش، وهم أهل مكة، فلما فُتحت مكة، ونَخَعَت بالطاعة، زال ذلك المعنى، وارتفع وجوب الهجرة، وعاد الأمر فيها إلى الندب، والاستحباب، فهما هجرتان، فالمنقطعة منهما هي الفرض، والباقية هي الندب. فهذا وجه الجمع بين الحديث. انتهى (١).

وَقَالَ فِي "شرح السنة": يحتمل الجمع بأن يكون معنى قوله: "لا هجرة بعد الفتح" أي منْ مكة إلى المدينة، وقوله: "لا تنقطع" أي منْ دار الكفر فِي حق منْ أسلم إلى دار الإِسلام. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله فِي "شرح السنّة" هو الذي يؤيّده حديث عبد الله وقدان السعديّ رضي الله تعالى عنه المذكور هنا، حيث قيّد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم بقاء الهجرة ببقاء قتال الكفار، فدلّ عَلَى أن المراد بالهجرة الهجرة المطلقة، فِي أي وقت، حيث لا يتمكن المسلم منْ إقامة دينه، فيجب عليه أن يهاجر، وإلا فيُستحبّ له عَلَى حسب الدواعي لذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

وحديث عبد الله بن وقدان السعديّ رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح، ونقل فِي "الإصابة" عن أبي زرعة الدمشقيّ، أنه قَالَ: هَذَا الحديث عن عبد الله بن السعديّ حديث صحيح متقن، رواه الأثبات. انتهى (٢).


(١) "معالم السنن" ٣/ ٣٥٢. (كتاب الجهاد).
(٢) "الإصابة" ٦/ ١٠٤.