للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والجواب أن المذموم منْ خرج عنها كراهةً لها، ورغبة عنها، كما فعل الأعرابيّ المذكور، وأما المشار إليهم، فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة، كنشر العلم، وفتح بلاد الشرك، والمرابطة فِي الثغُور، وجهاد الأعداء، وهم مع ذلك عَلَى اعتقاد فضل المدينة، وفضل سكناها. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".

٢٣ - (الْمُرْتَدِّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ)

أي الذي يصير أعرابيًا، ساكنا بالبادية بعد أن يهاجر.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر منْ هذه الترجمة أن المصنّف رحمه الله تعالى يرى تحريم الرجوع إلى البادية بعد الهجرة؛ لأنه سيأتي له فِي "كتاب الزينة" ٢٥/ ٥١٠٤ - بإسناد صحيح، منْ طريق الحارث بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود، قَالَ: "آكل الربا، وموكله، وكاتبه، إذا علموا ذلك، والواشمة، والموشومة للحسن، ولاوي الصدقة، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون عَلَى لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، يوم القيامة". فترجمته هنا بلفظ الحديث يدلّ عَلَى عدم الجواز، وأيضاً تعنيف الحجّاج لسلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه فِي حديث الباب، إلى أن أعلمه بأنه صلّى الله تعالى عليه وسلم أذن له فِي ذلك، يرشد إلى ذلك، وعلى هَذَا، فيُستثنى منْ أذن له النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم.

ويحتمل أيضاً أن يكون هَذَا مقيّدًا بما إذا لم يكن هناك ضرر، وإلا فلا تحريم؛ لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه، مرفوعًا: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه منْ الفتن". أخرجه البخاريّ، وأبو داود، والمصنّف، وسيأتي فِي "كتاب الإيمان" ٣٠/ ٥٠٣٨ - وابن ماجه.

ولهذا ترجم الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "كتاب الفتن" منْ "صحيحه" بقوله: "بَاب التَّعَرُّب فِي الْفِتْنَة". ثم أورد فيه حديث سلمة بن الأكوع المذكور فِي الباب، وحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه هَذَا.


(١) راجع "الفتح" ١٥/ ١١٢ "كتاب الأحكام" حديث: ٧٢١٠.