للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْفُس، منْ الصَّحَابة انْتَهَى.

قَالَ الحافظ: وَهَذا الَّذِي ذكرهُ، إِنَّمَا هُو بِحسب صُورة الْوَاقِعة، وأما عَلَى طرِيقة المُحدِّثِين، فهُو حدِيث وَاحِد، واختُلِف عَلَى التَّابِعِيّ، فِي صَحَابِيه، فَأمَّا صَفْوَان، فَجَزَم بِأنهُ عن أبِي أيُّوب، وأما الزُّهرِيّ، فاخْتُلِف عَلَيْهِ، هَلْ هُو أبُو سَعِيد، أوْ أبُو هُريرة. وأمَّا الِاخْتِلاف فِي وَقْفه ورفعه، فلا تَأثِير لهُ؛ لِأنَّ مِثله لا يُقال مِنْ قِبل الاجتِهاد، فالرِّواية المَوْقُوفة لفظًا، مَرْفُوعة حُكْمًا، وُيرجَّح كونه عن أبِي سعِيد، مُوَافَقَة ابن أبِي حُسَيْن، وسعِيد بْن زِياد لِمن قَالَ: عن الزُّهريّ، عن أبِي سلمة، عَنْ أبِي سعِيد، وإذا لم يبق إِلا الزُّهرِيّ، وصفوان، فالزُّهرِيّ أحفظ منْ صَفْوان بِدَرَجاتٍ، فمِن ثَمَّ يَظْهَر قُوَّة نظر البُخَاريّ، فِي إِشارته إِلى ترجِيح طرِيق أبِي سعِيد، فلِذلِك سَاقَهَا موصُولة، وأورد البقِيَّة بِصِيغِ التَّعْليق، إِشَارَة إِلى أنَّ الخِلاف المَذْكُور لا يَقْدَح فِي صِحَّة الحديث، إمَّا عَلَى الطَّرِيقة الَّتِي بيَّنتها منْ التَّرجِيح، وإمَّا عَلَى تجوِيز أن يكُون الحدِيث عِند أبِي سَلَمَة، عَلَى الأوجُه الثَّلاثة، ومع ذَلِكَ فطرِيق أبِي سعِيد أرْجَح. والله أعلم.

قَالَ: وَوَجَدْت فِي "الأدب المُفْرَد" لِلبُخَارِيّ ما يَتَرَجَّح بِهِ رِواية أبِي سلمة، عَنْ أبِي هُرَيْرة، فإنَّهُ أخْرجهُ منْ طرِيق عَبْد الملِك بن عُمير، عن أبِي سلمة، كذلِك فِي آخِر حدِيث طوِيل. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (١).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التحقيق الذي ذكره الحافظ مفسّرًا ما أشار إليه الإِمام البخاريّ رحمهما الله تعالى فِي الاختلاف الواقع فِي إسناد هَذَا الحديث تحقيقٌ نفيسٌ جدًا، وخلاصة ما مال إليه الحافظ ترجيح رواية أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، كما هو ظاهر صنيع البخاريّ رحمه الله تعالى.

والحاصل أن الحديث صحيح بطرقه الثلاثة، وإنما الكلام فِي الترجيح، فظاهر صنيع البخاريّ ترجيح كونه منْ مسند أبي سعيد الخدريّ، ومال إليه الحافظ، لكن كونه منْ مسند أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضًا وجد مرجّحًا، كما ذكر الحافظ فِي آخر كلامه، فبقيت رواية صفوان عن أبي أيوب مرجوحة، فليُتأمل. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو أن الإِمام له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ، وتحضّه عليه، فينبغي له أن يكون عَلَى


(١) "فتح" ١٥/ ٩٨ - ١٠٢ "كتاب الأحكام" حديث: ٧٢٠١.