للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إما بالعزل فِي الدنيا، فيصير خاملًا، وإما بالمؤخذة فِي الآخرة، وذلك أشدّ نسأل الله تعالى العفو والعافية- قَالَ القاضي البيضاويّ: فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذّة، يعقبها حسرة. (ومنها): ما قاله المهلّب رحمه الله تعالى: الحرص عَلَى الولاية هو السبب فِي اقتتال الناس عليها، حتّى سُفكت الدماء، واستبيحت الأموال والفروج، وعظم الفساد فِي الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قَدْ يُقْتل، أَوْ يُعْزَل، أَوُ يَمُوت، فَيَنْدَم عَلَى الدُّخُول فِيهَا؛ لِأنَّهُ يُطَالَب بِالتَّبِعَاتِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَقَدْ فَاَتَهُ مَا حَرَصَ عَلَيْهِ بِمُفَارَقَتِهِ، قَالَ: وَيَسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَمُوت الْوالِي، ولا يُوجَد بَعَده منْ يَقُوم بِالْأَمْرِ غَيْره، وَإِذَا لَمْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ، يَحْصُل الْفَسَاد بِضَيَاع الْأحْوَال.

قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وَهَذَا لَا يُخَالِف مَا فُرِضَ فِي الْحَدِيث الَّذِي قَبْلَهُ يعني حديث أبي هريرة المذكور فِي هَذَا الباب- منْ الْحُصُول بِالطَّلَبِ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَب، بَلْ فِي التَّعْبِير بِالْحَرْصِ، إِشَارَة إِلَى أنَّ مَنْ قَامَ بِالْأَمْر، عِنْد خَشْيَة الضَّيَاع، يَكُون كَمَنْ أُعْطِيَ بِغَيْرِ سُؤَال؛ لِفَقْدِ الْحِرْص غَالِبًا عَمَّنْ هَذَا شَأْنه، وَقَدْ يُغْتَفَر الْحِرْص فِي حَقّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ يَصِير وَاجبًا عَلَيْهِ، وتوْلِيَة، الْقَضَاء عَلَى الْإمَام فَرْض عَيْن، وَعَلَى الْقَاضِي فَرْض كِفَايَة، إِذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْره. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".


(١) "فتح" ١٥/ ٢٢. "كتاب الأحكام" رقم ٧١٥١.