للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يريد أنه لَمّا شبّ، قُطعت عنه تمائمه. ومثل هَذَا قول ابن ميادة، واسمه الرماح [منْ الطويل]:

بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي … وَقُطِعْنَ عَنَّي حِينَ أدْرَكَنِي عَقْلِي

قَالَ: وقول أحمد فِي معنى العقيقة فِي اللغة أولى منْ قول أبي عُبيد، وأقرب، وأصوب. والله تعالى أعلم. انتهى كلام الحافظ أبي عمر رحمه الله تعالى (١).

وَقَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: العقيقة: الذبيحة التي تُذبح عن المودود. وقيل: هو الطعام الذي يُصنع، ويُدعى إليه منْ أجل المولود. قَالَ أبو عُبيد: الأصل فِي العقيقة الشعرُ الذي عَلَى المولود، وجمعها عَقائقُ، ومنها قول امرىء القيس [منْ المتقارب]:

أَيَا هِنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهَةً … عَلَيْهِ عَقِيقتُهُ أحْسَبَا (٢)

ثم إن العرب سمّت الذبيحة عند حلق شعره عقيقة، عَلَى عادتهم فِي تسمية الشيء باسم سببه، أو ما جاوره، ثم اشتهر ذلك حتى صار منْ الأسماء العرفيّة، وصارت الحقيقة مغمورة فيه، فلا يُفهم منْ العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة. وَقَالَ ابن عبد البرّ: أنكر أحمد هَذَا التفسير، وَقَالَ: إنما العقيقة الذبح نفسه. ووجهه أن أصل العقّ: القطعُ، ومنه عقّ والديه. إذا قطعهما، والذبح قطع الحلقوم، والمريء، والودجين. انتهى كلام ابن قدامة (٣).

وَقَالَ فِي "الفتح": "العقيقة" بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة، وَهُوَ اسْم لِمَا يُذْبَح عن الْمَوْلُود. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقهَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْد، وَالْأَصْمَعِيّ: أَصْلهَا الشَّعْر الَّذِي يخْرُج عَلَى رَأْس الْمَوْلُود، وَتَبِعهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْره، وسُمِّيَتْ الشَّاة الَّتِي تُذْبِح عَنْهُ، فِي تِلْكَ الْحَالَة عَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ يُحْلَق عَنْهُ ذَلِك الشَّعْر عِنْد الذَّبْح. وَعَنَ أَحْمَد أنَّها مَأْخُوذَة مِن الْعَقِّ، وَهُوَ الشَّقّ وَالْقَطْع. وَرَجَّحَهُ ابْن عَبْد الْبَرّ، وَطَائِفَة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَقِيقَة اسْم الشَّاة الْمَذْبُوحَة عَنْ الْوَلَد، سُمِّيتْ بِذَلِكَ؛ لِأنَّها تُعَقّ مَذَابِحهَا: أَيْ تُشَقّ، وَتَقْطَع. قَالَ: وَقِيلَ: هِيَ الشَّعْر الَّذِي يُحْلَق. وقَالَ ابْن فَارِس: الشَّاة الَّتِي تُذبَح، والشَّعْر كُلّ مِنْهُمَا يُسَمَّى عَقِيقَة، يُقَال: عَقَّ يَعُقّ: إِذَا حَلَقَ عَنْ ابْنه عَقِيقَته، وَذَبَحَ لِلْمَسَاكِينِ شَاة. وَقَالَ الْقَزَّاز: أَصْل الْعَقِّ: الشَّقّ، فَكَأَنَّها قِيل لَهَا عَقِيقَة: بِمَعْنَى مَعْقُوقَة، وَسُمِّيَ شَعْر الْمَوْلُود عَقِيقَة، بِاسْمِ ما يِعُقّ عَنْهُ. وَقِيلَ: بِاسْم الْمَكَان الَّذِي انْعَقَّ عَنْهُ فِيهِ، وَكُلّ مَوْلُود مِنْ الْبَهَائِم، فَشَعْره عَقِيقَة، فَإِذَا سَقَطَ وَبَر الْبَعِير، ذَهَب عَقّه. وَيُقَال: أَعْقَتِ الْحَامِلُ نَبَتَتْ


(١) "التمهيد" ٤/ ٣٠٨ - ٣١١.
(٢) البوهة: البومة، سمي به الأحمق. والأحسب: الذي فِي شعر رأسه شُقْرة، يصفه باللؤم والشّحّ، يقول: كأنه لم تُحلق عقيقته فِي صغره حتى شاخ. انتهى.
(٣) "المغني" ١٣/ ٣٩٣.