للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أدُبغَ، أمْ لَمْ يُدْبَغ، لَكِنْ صَحَّ التَّقْييد مِنْ طُرُق أُخْرَى بِالدِّباَغِ، وهِي حُجَّة الْجُمْهُور.

واسْتَثْنى الشَّافِعِيّ منْ الْمَيْتات، الْكَلْب وَالْخِنْزْير، وما تولَّد مِنهُما؛ لِنَجَاسةِ عَيْنهَا عِنْده، ولم يستثنِ أبُو يُوسُف وداوُد شيئًا، أخذًا بِعُمُومِ الخبر، وهِي رِواية عن مالِك. وَقَدْ أخرج مُسْلِم منْ حدِيث ابْن عبَّاس، رقعه: "إِذَا دُبغَ الإهَاب، فَقَدْ طَهُر"، ولفظ الشَّافِعِيّ، والتِّرمِذِيّ وغيرهما، منْ هَذَا الوجه: "أيَّمَا إِهَاب دُبغَ فَقَدْ طَهُر" (١). وأخرج مُسْلِم إِسْنَادهَا، ولم يَسُقْ لفظها، فَأخْرَجَهُ أبُو نُعَيْم، فِي "الْمُسْتَخْرَج"، منْ هَذَا الوجه، بِاللَّفظِ المذْكُور، وفِي لَفْظ مُسْلِم منْ هَذَا الوجه، عن ابْن عَبَّاس: "سألنا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَن ذَلِكَ؟، فَقَالَ: "دِبَاغه طَهُوره"، وفِي رِواية لِلبزَّارِ منْ وَجْه آخَر، قَالَ: "دِبَاغ الأدِيم طَهُوره".

وَجَزَمَ الرَّافِعِيّ، وبعض أهْل الأُصُول، أنَّ هَذَا اللَّفْظ ورد فِي شَاة مَيْمُونَة.

قَالَ الحافظ: وَلَكِنْ لَمْ أقِف عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا، مع قُوَّة الاحْتِمَال فِيهِ؛ لِكَوْنِ الْجَمِيع منْ رِواية ابْن عبَّاس.

وَقَدْ تَمَسَّك بَعْضهمْ بِخُصُوصِ هَذَا السَّبَب، فقصر الجَوَاز عَلَى المَأكُول؛ لِوُرُودِ الخَبَر فِي الشَّاة، ويتقوَّى ذَلِكَ منْ حيثُ النَّظر، بِأنَّ الدِّباغ لا يزِيد فِي التَّطْهِير عَلَى الذَّكَاة، وغَيْر المَأكُول لو ذُكِّيَ لَمْ يَطْهُر بِالذَّكاةِ عِند الأكْثَر، فَكَذلِك الدِّباَغ.

وأجاب منْ عَمَّمَ بِالتَّمَسُّكِ بِعُمُومِ اللَّفْظ، فهُو أَوْلَى مِن خُصُوص السَّبَب، وَبِعُمُومِ الإذْن بِالْمَنْفَعةِ، ولِأنَّ الْحَيَوان طَاهِر، يُنْتَفَع بِهِ قبل الْمَوْت، فَكَانَ الدِّبَاغ بَعْد الْمَوْت قائِمًا لهُ مَقَام الْحَيَاة. والله أعْلم.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بالعموم هو الأرجح عندي؛ لظهور دليله. والله تعالى أعلم.

وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أنَّهُ لا يُنتفع منْ الميتة بِشَيْءٍ، سواء دُبغَ الْجِلْد، أمْ لَمْ يُدبغ، وتمسَّكُوا بِحدِيثِ عبد الله بْن عُكَيْم، قَالَ: أتَانَا كِتاب رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قَبْل مَوته: "أَنْ لا تَنْتفِعُوا منْ الْمَيْتة بِإِهَابٍ، ولا عَصَب" (٢). أخْرَجَهُ الشَّافِعِيّ، وأحْمَد، والأرْبَعَة، وَصَحَّحَهُ ابْن حِبَّان، وَحَسَّنَهُ التِّرمِذِيّ، وفِي رِواية لِلشَّافِعِيِّ، ولِأحْمَد، ولِأبِي دَاوُد: "قَبْل موْته بِشَهْر"، قَالَ التِّرمِذِيّ: كَانَ أحْمَد يَذْهب إِلَيْهِ، ويقُول: هَذَا آخِر الْأَمْر، ثُمَّ تركهُ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده، وكَذَا قَالَ الخَلال نَحْوه. وَرَدَّ ابنُ حِبَّان عَلَى منْ ادَّعَى فِيهِ الاضْطِرَاب، وَقَالَ: سَمِعَ ابنُ عُكَيْم الكِتَاب يُقْرَأ، وسَمِعَهُ منْ مَشَايخَ منْ جُهَيْنة، عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلا اضْطِرَاب.


(١) هو الآتي للمصنّف رحمه الله تعالى فِي هَذَا الباب برقم ٤٢٤٢.
(٢) هو الآتي للمصنّف رحمه الله تعالى فِي الباب التالي برقم ٤٢٥٠ إن شاء الله تعالى.