للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خَالَطَها كِلاب منْ غَيْرها، فلا تَأْكُل"، فيُؤخذ مِنْهُ أنَّهُ لو وجَدهُ حيًّا، وفِيهِ حَياة مُسْتَقِرَّة، فذكَّاهُ حَلَّ؛ لأنَّ الاعتِماد فِي الإباحَة عَلَى التَّذْكِية، لا عَلَى إِمْسَاك الكَلْب. قاله فِي "الفتح" (١). (ومنها): أن شرط الحلّ أيضًا أن لا يأكل الكلب منْ الصيد الذي قتله، وإلا فلا يحلّ؛ لأنه صاده لنفسه، لا لصاحبه. وسيأتي مزيد بسط فِي ذلك قريبًا، إن شاء الله تعالى.

(ومنها): إِبَاحَة الاصْطِيَاد لِلانْتِفَاع بِالصَّيدِ، لِلأكْلِ والْبَيْع، وكذا اللَّهْو، بِشَرْطِ قَصْد التَّذكِية، والانْتِفاع، وكَرِههُ مالِك، وَخَالفهُ الْجُمْهُور. قَالَ اللَّيْث: لا أعْلَمْ حقًّا أشبه بِباطِلٍ مِنْهُ، فلو لم يقْصِد الانْتِفَاع بهِ حَرُم؛ لِأنَّهُ منْ الفَسَاد فِي الأرْض، بإِتْلافِ نَفْسٍ عبثاً، قَالَ الحافظ: ويَنْقَدِحُ أن يُقال: يُبَاح، فإِن لازمهُ وأكثر مِنْهُ كُرِه؛ لِأنَّهُ قد يَشْغَلهُ عن بعض الوَاجِبَات، وكَثِير منْ المَنْدُوبات. وأخْرَج التِّزمِذِيّ منْ حدِيث ابنِ عبَّاس، رَفَعَهُ: "مَنْ سَكَن البَادِية جَفَا، وَمَن اتَّبَعَ الصَّيْد غَفَلَ"، ولهُ شَاهِدِ عن أبِي هُرَيْرَة، عِند التِّرْمِذيّ أيضاً، وَآخَر عِنْد الدَّارقُطنِيُّ، فِي "الأفْرَاد" منْ حَدِيث الْبَرَاءَ بْن عَازِب، وَقَالَ: تَفرَّد بِهِ شَرِيك. (ومنها): جَوَاز اقتِناء الْكَلْب المُعَلَّم لِلصَّيدِ. وَسَيأتِي البَحْث فِيهِ فِي شرح حَدِيث: "منْ اقْتَنَى كَلْبًا"، إن شاء الله تعالى.

(ومنها): أنه استُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز بَيْع كَلْب الصَّيْد؛ لِلإضَافَةِ فِي قوْله: "كَلْبك"، وأَجَابَ مَنْ مَنَعَ بِأنَّها إِضَافَة اخْتِصَاص، وسيأتي تمام البحث فيه فِي محلّه، إن شاء الله تعالى.

(ومنها): أنه استُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارة سُوْر كَلْب الصَّيْد، دُونِ غَيْره منْ الكِلاب؛ لِلإِذْنِ فِي الأَكْل منْ الموْضِع الَّذِي أكل مِنْهُ، ولَمْ يَذْكُر الْغَسْل، ولوْ كَانَ واجِبًا لبيَّنهُ؛ لِأنَّهُ وقت الْحَاجة إِلى البَيَان. وَقَالَ بعْض العُلَمَاء: يُعْفَى عَن مَعَضّ الْكَلْب، ولوْ كَانَ نَجسًا؛ لِهذا الْحَدِيث. وأجَابَ منْ قَالَ بِنَجَاستِهِ، بِأن وُجُوب الغَسْل كَانَ قد اشْتَهَر عِندهمْ، وعُلِمَ، فَاسْتَغْنى عن ذِكْره. وفِيهِ نظَرٌ، وَقَدْ يتَقَوَّى الْقوْل بالعَفْوِ؛ لِأنَّهُ بِشِدَّةِ الجَرْي يجِفُّ رِيقه، فيُؤْمَنُ مَعَهُ ما يُخْشَى مِنْ إِصَابة لُعَابه موْضِع الْعَضّ. قاله فِي "الفتح".

(ومنها): أنه استُدِلَّ بِقَوْلِهِ: "كُلّ مَا أمْسَكَ عَلَيْك" بِأنَّهُ لو أرْسَلَ كَلْبه عَلَى صَيْد، فاصْطَادَ غَيْره حَلَّ؛ لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْله: "مَا أَمْسَكَ"، وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور، وَقَالَ مَالِك: لا يَحِلُّ، وَهُوَ رِوَايَة البُويْطِيّ، عن الشَّافِعِيّ.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول أرجح؛ لظهور دليله. والله تعالى أعلم


(١) "فتح" ١١/ ٢٢ - ٢٣.