للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غَيْره. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ منْ حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله تعالى عنهما، مَرْفُوعًا: "نَهَى رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَن ثَمَن الْكَلْب"، وَقَالَ: "إنْ جَاءَ يَطْلُب ثَمَن الْكَلْب، فَامْلَأْ كَفّه تُرَابًا". وِإسْنَاده صَحِيح. وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَن، عَن أَبِي هُرَيرَة رضي الله تعالى عنه، مَرْفُوعًا: "لا يَحِلّ ثَمَن الْكَلْب، وَلَا حُلوَان الْكَاهِن، وَلَا مَهْر الْبَغِيّ".

وَالْعِلَّة فِي تَحْرِيم بَيعه عنْد الشَّافِعِيّ، نَجَاسَته مُطْلَقًا، وَهِيَ قَائِمَة فِي المُعَلَّم وَغَيْره، وَعِلَّة الْمَنْع عِنْد مَنْ لَا يَرَى نَجَاسَته، النَّهْيُ عَن اتِّخاذه، وَالأَمْر بِقَتْلِهِ، وَلِذَلِكَ خُصَّ مِنْهُ مَا أُذِنَ فِي اتِّخاذه. وَيَدُلّ عَلَيهِ حَدِيث جَابِر رضي الله تعالى عنه، الآتي فِي الباب التالي، قَالَ: "نَهى رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَن ثَمَن السنّور، والْكَلْب، إِلَّا كَلْب صَيْد"، لكن سيأتي أن المصنّف ضعفه. وَقَد وَقَعَ فِي حَدِيث ابن عُمَر رضي الله تعالى عنهما، عِنْد ابْن أَبِي حَاتِم، بِلَفْظِ: "نَهَى عَنْ ثَمَن الْكَلْب، وَإنْ كَانَ ضَارِيًا"، يَعْني مِمَّا يَصِيدُ، وَسَنَده ضَعِيف، قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنْكَر، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: "نَهَى عَنْ ثَمَن الْكَلْب، وَقَالَ: طُعمَة جَاهِلِيَّة"، وَنَحْوه لِلطَّبَرَانِىِّ، مِنْ حَدِيث مَيْمُونَة بِنْت سَعْد (١).

وَقَالَ القُرْطُبِيّ: مَشْهُور مَذْهَب مَالِك جَوَاز اتِّخاذ الْكَلْب، وَكَرَاهِيَة بَيْعه، وَلَا يُفْسَخ إنْ وَقَعَ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُن عِنْده نَجَسًا، وَأُذِنَ فِي اتِّخاذه لِمَنَافِعِهِ الْجَائِزَة، كَانَ حُكْمه حُكْم جَمِيع الْمَبِيعَات، لَكِنْ الشَّرْعُ نَهَى عَنْ بَيْعه تَنْزيهًا؛ لِأَنَّه لَيْسَ مِنْ مَكَارِم الأَخْلَاق، قَالَ: وأمَّا تَسْوِيَته فِي النَّهْي بَيْنه وَبَيْن مَهْر الْبَغِيّ، وَحُلوَان الكَاهِن، فَمَحْمُول عَلَى الْكَلْب الَّذِي لَمْ يُؤْذَن فِي اتِّخاذه، وَعَلَى تَقْدِير العُمُوم فِي كُلّ كَلْب، فَالنَّهْي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة فِي القَدْر المُشْتَرَك، منْ الكَرَاهَة أَعَمّ منْ التَّنْزِيه وَالتَّحْرِيم، إِذْ كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنهُ، ثُمَّ تُؤْخَذ خُصُوصِيَّة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ دَلِيل آخَر، فَإِنَّا عَرَفْنَا تَحرِيم مَهْر الْبَغِيّ، وحُلْوان الْكَاهن مِنْ الإجْمَاع، لَا مِنْ مُجَرَّد النَّهْي، وَلَا يَلْزَم مِنْ الاشْتِرَاك فِي الْعَطْف، الاشْتِرَاك فِي جَمِيع الوُجُوه، إِذْ قَدْ يُعْطَف الأَمْر عَلَى النَّهْي، وَالإيْجَاب عَلَى النَّفْي. انتهى كلام القرطبيّ باختصار (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التفصيل الذي قاله القرطبيّ محلّ نظر، بل الذي يترجَّحُ عندي هو الذي عليه الجمهور، منْ تحريم بيع الكلب مطلقًا؛ لعموم النصّ، وعدم صحّة الاستثناء الذي فِي حديث جابر رضي الله تعالى عنه الآتي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي حكم حلوان الكاهن، وبيان معناه:


(١) "فتح" ٥/ ١٧٩ - ١٨٠. "كتاب البيوع".
(٢) "المفهم" ٤/ ٤٤٣ - ٤٤٤. "كتاب البيوع".