للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ النوويّ: قَالَ الْبَغَوِيُّ منْ أَصْحَابنَا، وَالْقَاضِي عِيَاض: أجْمَعَ المُسْلمُون عَلَى تَحْرِيم حُلْوَانِ الكَاهِن؛ لِأَنَّهُ عِوَض عَن مُحَرَّم؛ وَلِأَنَّه أَكَلَ الْمَال بِالبَاطِلِ، وَكَذَلِكَ أجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيم أُجرَة الْمُغَنِّيَة للْغِنَاء، وَالنَّائِحَة لِلنَّوْحِ. وأمَّا الَّذِي جَاءَ فِي غَيْر "صَحِيح مُسْلِم" منْ النَّهْي عَن كَسْب الإمَاء، فَالمُرَاد بِهِ كَسْبهنَّ بِالزِّنَا، وَشِبهِهِ، لَا بِالْغَزْلِ، وَالْخِيَاطَة، وَنَحْوهمَا.

وَقَالَ الخَطَّابِيّ: قَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: وَيُقَال حُلْوَانِ الْكَاهِن الشنع، والصِّهْميم (١). قَالَ الخَطَّابِيّ: وَحُلْوان العَرَّاف أَيْضًا حَرَام. قَالَ: وَالفَرْق بَيْن الكَاهِن وَالعَرَّاف، أَنَّ الْكَاهِن إِنَّما يَتَعَاطَى الأَخْبَار عَن الْكَائِنَات فِي مُسْتَقبَل الزَّمَان، وَيدَّعي مَعْرِفَة الأَسْرَار، والعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْروق، وَمَكَان الضَّالَّة، وَنَحْوهمَا منْ الأُمُور. هَكَذَا ذَكَرَهُ الخَطَّابِيّ فِي "مَعَالِم السُّنَن" فِي "كِتَاب البُيُوع"، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِر الكِتَاب أَبْسَط منْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّ الكَاهِن، هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَة عِلْم الْغَيْب، وَيُخْبِر النَّاس عَن الْكَوَائِن. قَالَ: وَكَانَ فِي العَرَب كَهَنَة، يَدَّعونَ أَنَّهمْ يَعرِفُونَ كَثِيرًا منْ الأُمُور، فَمِنْهُمْ: مَنْ يَزعُم أَنَّ لَهُ رُفَقَاء منْ الجِنّ، وَتَابِعَة تُلْقِي إِلَيْهِ الأَخْبَار، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْك الأُمُور بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا، وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ يَعْرِف الأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أسبَاَب، يُستَدَلّ بِها عَلَى مَوَاقِعهَا، كَالشَّيءِ يُسْرَق، فَيَعرف الْمَظْنُون بِهِ السَّرِقَةُ، وتُتَّهَم الْمَرأَةُ بِالرِّيبَةِ، فَيُعرَف مَن صَاحبُهَا، وَنَحْو ذَلِكَ منْ الأمُور. ومِنْهُم مَنْ كَانَ يُسَمِّي المُنَجِّمْ كَاهِنًا، قَالَ: وَحَدِيث النَّهْي عَن إِتْيَان الكُهَّان، يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَن هَؤُلَاءِ كُلّهم، وَعَلَى النَّهْي عَن تَصْدِيقهمْ، وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ، ومنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيب كَاهِنًا، وَرُبَّمَا سَمَّوهُ عَرَّافًا، فَهَذَا غَيْر دَاخِل فِي النَّهْي. هَذَا آخِر كَلَام الخَطَّابِيّ.

قَالَ الإمَام أَبُو الْحَسَنُ المَاوَرْدِيّ، منْ أَصْحَابنَا، فِي آخِر كِتَابه "الأَحْكَام السُّلطَانِيَّة": وَيَمْنَع الْمُحْتَسِب مَنْ يَكْتَسِب بِالْكِهَانَةِ، وَاللَّهْو، وَيُؤَدِّب عَلَيْهِ الآخِذَ وَالْمُعْطِي. وَالله أَعْلَم. انتهى كلام النوويّ (٢).

وَقَالَ فِي "الفتح": وَالْكَهَانَة -بِفَتْح الْكَاف، وَيَجُوز كَسْرهَا-: ادِّعَاء عِلْم الْغَيْب، كَالإخْبَارِ بِمَا سَيَقَعُ فِي الأَرْض، مَعَ الاسْتِنَاد إِلَى سَبَب، وَالأصْل فِيهَا اسْتِرَاق السَّمْع منْ كَلَام الْمَلائِكة، فَيُلْقِيه فِي أُذُن الكَاهِن. وَالْكَاهِنُ لَفْظ يُطْلَق عَلَى العَرَّاف، وَاَلَّذِي يَضْرِب بِالْحَصَى، والمُنَجِّم، وَيُطْلَق عَلَى مَنْ يَقُوم بأَمْرٍ آخَر، وَيَسْعَى فِي قَضَاء حَوَائِجه. وَقَالَ فِي "الْمُحْكَم": الكَاهِن الْقَاضِي بِالْغَيْبِ. وَقَالَ فِي "الْجَامِع": الْعَرَب


(١) ذكر فِي "القاموس" الصِّهميم كقِندِيل، وذكر له معاني كثيرة، ومنها: حُلْوان الكاهن.
(٢) "شرح مسلم" ١٠/ ٤٧٦ - ٤٧٧.