للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالله أعلَم. انتهى كلام الحافظ (١).

(فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ نَدَّ بَعِيرٌ) بفتح النون، وتشديد الدال المهملة: أي هرب منْ تلك الإبل المقسومة بعيرٌ نافرًا (وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلاَّ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ) فِيهِ تَمهِيد لِعُذْرِهِم فِي كَوْن الْبَعِير الَّذِي نَدَّ أَتْعَبَهُم، وَلَمْ يَقدِرُوا عَلَى تَحْصِيله، فَكَأنَّهُ يَقُول: لَوْ كَانَ فِيهِم خُيُول كَثِيرَة؛ لأَمكَنَهُمْ أَنْ يُحِيطُوا بِهِ، فَيَأخُذُوهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عند البخاريّ": "وَلَمْ يَكُن مَعَهُم خَيل": أَي كَثِيرَة، أَو شَدِيدَة الْجَرْي، فَيَكون النَّفْي لِصِفَةٍ فِي الْخَيْل، لا لِأَصْلِ الْخَيْل، جمَعًا بَين الرِّوَايَتَينِ.

(فَطَلَبُوهُ، فَأَعْيَاهُمْ) أَي أَتْعَبَهُم، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تحَصِيلِهِ (فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ) وفي رواية البخاريّ: "فأهوى إليه رجل بسهم": أي قصد نحوه، ورماه. قَالَ الحافظ: ولم أقف عَلَى اسم هَذَا الرامي (فَحَبَسَهُ اللهُ) أي أصابه السهم، فوقف (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِهَذِهِ البَهَائِمِ) وفِي رِوَايَة: "إِنَّ لِهَذِه الإبِل": قَالَ بَعْض شُرَّاح "الْمَصَابِيح": هَذِهِ اللام تُفِيد مَعْنَى "مِنْ"؛ لأَن الْبعْضِيَّة، تُسْتَفَاد منْ اسم "إِنَّ" لِكَونِهِ نَكِرَة (أَوَابِدَ كَأوَابدِ الْوَحْشِ) جَمْع آبِدَة -بِالْمَدِّ، وَكَسْر المُوَحَّدَة-: أَيْ غَرِيبَة، يُقَال: جَاءَ فُلَان بِآبِدَةٍ: أَي بِكَلِمَةٍ، أَو فَعْلَة مُنَفِّرَة، ويُقَال: أَبَدَتْ -بِفَتْح المُوَحَّدَة- تَأبُدُ -بِضَمِّهَا- وَيَجُوز الكَسْر، أُبُودًا، وَيُقَال: تَأَبَّدَتْ: أَيْ تَوَحَّشَتْ، وَالمُرَاد أنَّ لَهَا تَوَحُّشًا. قاله فِي "الفتح". وَقَالَ الفيّوميّ: أبَدَ الشيءُ، منْ بابي ضرب، وقتَل يأبِدُ، ويأبُدُ أُبودًا: نفر، وتوحّش، فهو آبدٌ، عَلَى فاعل، وأبدَت الوحوش: نفرت منْ الإنس، فهي أوابد، ومن هنا وُصِف الفرس الخفيفُ الذي يُدرك الوحش، ولا يكاد يفوته بأنه قَيْدُ الأَوابد؛ لأنه يمنعها المضيَّ، والخلاصَ منْ الطالب، كما يمنعها القيد. وقيل للألفاظ التي يَدِقُّ معناها: أوابدُ؛ لبعد وضوحه؛ لأنه المقصود. انتهى كلام الفيّوميّ.

(فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا") وفي رواية البخاريّ: "فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا وَفِي رِوَايَة لَه: "فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا، فَافعَلُوا مِثْل هَذَا وفي رواية الطبرانيّ: "فَاصْنَعُوا بِهِ ذَلِكَ، وَكُلُوهُ". وَفِيهِ جَوَاز أَكْل مَا رُمِيَ بِالسَّهْمِ، فَجُرِحَ فِي أَيّ مَوضِع كانَ منْ جَسَده، بِشَرْطِ أن يَكُون وَحْشِيًّا، أَو مُتَوَحِّشًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:


(١) "فتح" ١١/ ٥٤.