للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إجزائها، حيث وقعت قبل وقتها. ولفظ البخاريّ: "فليُعد مكانها أُخرى" (ومن لم يكن ذبح فليذبح عَلَى اسم الله عز وجل) وفي رواية أبي عوانة: "ومن كَانَ لم يذبح حَتَّى صلّينا، فليذبح عَلَى اسم الله"، وفي رواية لمسلم: "فليذبح باسم الله"، أي فليذبح قائلًا باسم الله، أو مسمّيًا، والجارّ والمجرور متعلق بمحذوف، وهو حال منْ الضمير فِي قوله: "فليذبح"، وهذا أولى ما حُمِل عليه الْحَدِيث، وصححه النوويّ، ويؤيده ما فِي حديث أنس رضي الله تعالى عنه: "وسمّى، وكبر". وَقَالَ عياض: يحتمل أن يكون معناه: فليذبح لله، والباء تجىء بمعنى اللام، ويحتمل أن يكون معناه: بتسمية الله، ويحتمل أن يكون معناه: متبركا باسمه، كما يقال: سِرّ عَلَى بركة الله، ويحتمل أن يكون معناه: فليذبح بسنة الله، قَالَ: وأما كراهة بعضهم افعَلْ كذا عَلَى اسم الله؛ لأنّ اسمه عَلَى كل شيء، فضعيف.

قَالَ الحافظ: ويحتمل وجها خامسا، أن يكون معنى قوله: "بسم الله"، مطلق الإذن فِي الذبيحة حينئذ؛ لأن السياق يقتضي المنع قبل ذلك، والأذن بعد ذلك، كما يقال للمستأذن: بسم الله، أي ادخل.

وَقَدْ استدل بهذا الأمر، فِي قوله: "فليذبح مكانها أخرى"، منْ قَالَ بوجوب الأضحية، قَالَ ابن دقيق العيد: صيغة "منْ" فِي قوله: "منْ ذبح"، صيغة عموم، فِي حق كل منْ ذبح قبل أن يصلي، وَقَدْ جاءت لتأسيس قاعدة، وتنزيلُ صيغة العموم، إذا وردت لذلك عَلَى الصورة النادرة يستنكر، فإذًا بعد تخصيصه بمن نذر أضحية معينة، بقي التردد هل الأولى حمله عَلَى منْ سبقت له أضحية معينة، أو حمله عَلَى ابتداء أضحية، منْ غير سبق تعيين، فعلى الأول يكون حجة لمن قَالَ بالوجوب، عَلَى منْ اشترى الأضحية، كالمالكية، فإن الأضحية عندهم تجب بالتزام اللسان، وبنية الشراء، وبنية الذبح. وعلى الثاني يكون لا حجة (١) لمن أوجب الضحية مطلقا، لكن حصل الانفصال ممن لم يقل بالوجوب، بالأدلة الدالة عَلَى عدم الوجوب، فيكون الأمر للندب.

واستدل به منْ اشترط تقدم الذبح منْ الإِمام، بعد صلاته، وخطبته؛ لأن قوله: "منْ ذبح قبل أن يصلي، فليذبح مكانها أخرى"، إنما صدر منه بعد صلاته، وخطبته، وذبحه، فكأنه قَالَ: منْ ذبح قبل فعل هذه الأمور، فليُعِد، أي فلا يعتمد بما ذبحه. قَالَ ابن دقيق العيد: وهذا استدلال غير مستقيم؛ لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة، والتعقيب بالفاء. قاله فِي "الفتح" ١٣/ ١٣٧ - ١٣٨. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع


(١) هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أن الصواب "لا يكون حجة الخ"، فليُحرّر.